موسوعةالأخلاق الإسلامية-العدل(نصوص إسلامية في الأمر بالعدل)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-العدل(نصوص إسلامية في الأمر بالعدل)
229 0

الوصف

                                                                العدل

                                               نصوص إسلامية في الأمر بالعدل
                             الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 5- العدل >>

نصوص إسلامية في الأمر بالعدل:

لدى تتبع القرآن الكريم وأقوال الرسول صلوات الله عليه نجد نصوصًا كثيرة تأمر بالعدل، فمنها ما هو عام، ومنها ما هو خاص في مجال من المجالات التي يدخل فيها العدل والجور.

وفيما يلي طائفة من هذه النصوص مع تدبر ما اشتملت عليه من دلالات:

1- يخاطب الله رسوله بقوله في سورة (الشورى 42):

(وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ... (15)) .

فقد أمر الله رسوله محمدًا في هذا النص بأن يعلن أن الله قد أمره بإقامة شرائع الإسلام وأحكامه ليعدل بين الناس.

ففي جملة:(وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ) محذوف يمكن تقديره على الوجه التالي: وأمرت بإقامة شرائع الإسلام وأحكامه لأعدل بينكم، أو وأمرت بأوامر كثيرة لأعدل بينكم. والغرض من هذا الحذف إرادة العموم، وذلك حتى يعم المأمور به كل النصوص الربانية التي يحقق تطبيقها مبدأ العدل.

وقد دل هذا النص على أن شرائع الإسلام وأحكامه إذا أقيمت كما أمر الله تحقق مبدأ العدل بين الناس، لما فيها من مراعاة للعدل الذي هو من أجل الأصول العامة التي يقضي العقل السديد بضرورة مراعاتها، في جميع النظم والأحكام والشرائع التي تنظم معاملات الناس.

2- ويخاطب الله الذين آمنوا بقوله في سورة (المائدة 5):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)) .

لا يجرمنكم: لا يحملنكم. شنآن قوم: بغض قوم.

فالله تعالى يكلف الذين آمنوا أن يكونوا قوامين لله، أي: يبتغون مرضاة الله في قوامتهم، ومرضاته إنما تتحقق باتباع أوامره واجتناب نواهيه، والله يأمر بالعدل، وينهى عن البغي.

ويكلف الذين آمنوا أيضًا أن يكونوا شهداء بالقسط، أي: بالعدل.

فالمؤمنون مأمورون بأن يكونوا في أحكامهم وأقضيتهم ورعايتهم لمن تحت أيديهم وفي سائر شؤونهم قوامين لله، لا لأنفسهم وشهواتهم، وما توسوس به الشياطين. وهذه مسؤولية عظيمة في الحياة، يضعها الله في أعناق المؤمنين، ومهما أعطاهم الله سلطة قوامة على الناس فعليهم أن يكونوا قوامين لتنفيذ شريعة الله التي تأمر بإقامة العدل.

وصيغة (قوامين) تشعر بضرورة المبالغة والحرص الشديد على التزام أحكام الله في سلطة القوامة؛ لأنها من صيغ المبالغة.

وإذا كانوا قوامين لله، أي: قوامين على الناس لتنفيذ شريعة الله التي تأمر بالعدل، فإن عليهم أن يكونوا شهداء بالقسط، كلما كان تثبيت الحق متوقفًا على شهادة يشهدون بها. وفي أداء الشهادة يقول الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)) .

ونهى الله الذين آمنوا أن يحملهم بغضهم لقوم على أن لا يعدلوا معهم، فقال تعالى في الآية: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا) .

وفي استخدام كلمة "لا يجرمنكم" بمعنى "لا يحملنكم" إشعارٌ بأن الدافع إلى ترك العدل فيه ما يحمل على ارتكاب جريمة الظلم أو الجور أو العدوان، وذلك لأن من يبغض قومًا فيحمله بغضه على أن يكون ظالمًا لهم، أو جائرًا عليهم، أو معتديًا على حقوقهم، في قوله، أو فعله، أو حكمه وقضائه، لا بد أن يركب مركب الجريمة. فإذا مزجنا شيئًا من معنى الجريمة في عبارة "لا يحملنكم" كانت مساوية لعبارة "لا يجرمنكم".

وفي استخدام كلمة "شنآن" بمعنى البغض إشعارٌ بأن البغض بغض شديد مضطرب متحرك، يغلي في القلوب فيحمل على الجور أو الظلم أو العدوان، فالقرآن لم يستعمل كلمة البغض لأنها تصدق بالقليل منه والكثير، والساكن منه والمتحرك، وإنما استعمل كلمة "شنآن" ولم يستعمل مصدرًا آخر من المادة نفسها، إذ يقال لغة: "شنأه شنأً وشنأةً" إذا أبغضه، وإنما استعمل مصدر "شنآن" بهذه الصيغة الطويلة الدالة على الحركة والاضطراب.

ولدى التحليل يتبين لنا أن الدافع إلى مجانبة العدل إما عاطفة كراهية للجهة التي جرى الظلم أو الجور ضدها، وإما عاطفة حب أو شفقة، أو عصبية للجهة التي جرى الظلم أو الجور من أجلها، وقد حذر هذا النص من أن تحمل عاطفة الكراهية مهما كانت شديدة على تجاوز واجب العدل. وسيأتي في آية النساء التحذير من أن تحمل العواطف الأخرى على تجاوز واجب العدل.

ثم قال تعالى مؤكدًا الأمر بالعدل:(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .

وفي كون العدل مع الأعداء الذين نبغضهم أقرب للتقوى احتمالان:

الأول:
أن يكون أقرب إلى كمال التقوى، وذلك لأن كمال التقوى يتطلب أمورًا كثيرة، منها هذا العدل، والأخذ بكل واحد من هذه الأمور يقرب من منطقة التقوى الكاملة.

الثاني:
أن يكون أقرب إلى أصل التقوى فعلًا من ترك العدل مع الأعداء ملاحظين في ذلك مصلحة للإسلام وجماعة المسلمين، وذلك لأنه قد يشتبه على ولي الأمر من المسلمين في قضية من القضايا المتعلقة بعدوٍ من أعدائهم، هل التزام سبيل العدل معه أرضى لله؟ أو ظلمه هو أرضى لله باعتباره معاديًا لدين الله؟ وأمام هذا الاشتباه يعطي الله منهج الحل فيقول: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) أي: مهما لاحظتم أن ظلمه لا يتنافى مع التقوى فالعدل معه أقرب للتقوى.

ولا يخفى أن من ثمرات هذا العدل ترغيب أعداء الإسلام بالدخول فيه، والإيمان بأنه هو الدين الحق، وكم من حادثة عدل حكم فيها قاضي المسلمين لغير المسلم على المسلم اتباعًا للحق، فكانت السبب في تحبيبه بالإسلام ثم في إسلامه.

ويبدو هذا الوجه قويًّا راجحًا، وأنه هو المراد، والله أعلم.

ومن تطبيقات المؤمنين لذلك: ما كان من (عبد الله بن رواحة) لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم!!

فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

ثم أمر الله بالتقوى في كل الأحوال، وفي كل الشؤون، ومعلوم أن قضية العدل واحدة منها، فقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ) .

ثم ختم الآية بقوله: (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وفي هذا إشارة ضمنية إلى قانون الجزاء، وذلك لأن التذكير بأن الله خبير بما يعمل الناس في مثل هذا المقام، يشعر بأنه سيجازيهم على أعمالهم، ولن يضيع عليه شيء من أمورهم.

3- ويخاطب الله الذين آمنوا بقوله تبارك وتعالى في سورة (النساء 4):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)) .

صدر هذه الآية كصدر آية المائدة السابقة بفارق واحد، هو تبادل كلمتين فيه مواضعهما هما: بالقسط – لله.

(كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ....) (آية المائدة).

(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ .... )(آية النساء).

والسر في هذا هو الدلالة على الإلزام بأن تكون القوامة والشهادة كلاهما لله وبالقسط، فالمؤمنون مأمورون بأن يكونوا قوامين لله وبالقسط، وبأن يكونوا شهداء لله وبالقسط، وذلك لأنه ربما يكون القسط لغير الله، فيكون حسنًا في الحياة الدنيا، ولكن لا ثواب له عند الله؛ لأنه لم يبتغ به وجهه.

ومراعاة للأسلوب البياني البديع، جاءت الآيتان على هذا الشكل من التنويع، ليؤخذ من مجموعهما الدلالة المطلوبة، وهذا من التكامل في النصوص القرآنية.

ومما يدهش في أسس التعاليم الإسلامية أن المؤمنين مطالبون بأن يكونوا قوامين لله وبالقسط وشهداء لله وبالقسط، ولو كان ضد أنفسهم أو الوالدين والأقربين، فأي إنصاف أعظم من هذا الإنصاف، وأي عدل أجل من هذا العدل وأروع، وأي قوامة في العالم أقدس من هذه القوامة المؤمنة بالله.

وإذ عالجت آية المائدة دافع البغض والكراهية الذي يحرض على مجانبة سبيل العدل، فقد عالجت آية النساء التي نتدبرها الآن دوافع الحب والشفقة والعصبية، التي تحرض أيضًا على مجانبة سبيل العدل. ومن أبرز أمثلة الحب حب الإنسان نفسه ووالديه والأقربين، ومن أبرز أمثلة العصبية عصبية الإنسان لوالديه والأقربين، ومن أبرز أمثلة الشفقة شفقة الإنسان على الأقربين الفقراء، ولذلك قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا ).

فالمؤمن الصادق الإيمان يكون قوامًا لله وبالقسط، ويشهد لله وبالقسط، ولو كان ضد نفسه، أو والديه، أو الأقربين.

ولما كان من أسباب المحاباة التي تدفع إلى مجانبة سبيل العدل الشفقة على الخصم الفقير، قال تعالى: (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا).

فقد يكون صاحب الحق الواضح غنيًّا ويكون خصمه فقيرًا ذا حاجة، وفي هذه الحال قد ينحاز الحاكم أو القاضي أو الشاهد إلى جانب الفقير شفقة عليه، وهو يعلم أن الغني هو صاحب الحق، وهذه خديعة شيطانية لتبرير الجور والظلم، إن الحق هو الذي يجب اتباعه، ولا يجوز أن يكون الجور وسيلة لمساعدة الفقراء( إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا) فالله أولى وأحق بتقدير حال كل من الخصمين غنيّ