موسوعةالأخلاق الإسلامية-العدل(تعريف العدل)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-العدل(تعريف العدل)
206 0

الوصف

                                                                 العدل

                                                             تعريف العدل
                                       الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 5- العدل >>

5- العدل

العدل هو أحد الفروع الخلقية لحب الحق وإيثاره، وأحكام العدل وتطبيقاته إنما هي تنفيذ لما يقتضيه الحق.

ولدى التأمل الدقيق يتبين لنا أن معظم العلاقات المادية وغير المادية بين الناس لها من الحق أصول ثابتة، وحين يتم التقيد بما في هذه الأصول من حق بالعمل أو القول أو الحكم أو وضع القوانين والنظم فذلك هو العدل، إذ بهذا يتساوى الحق والتطبيق العملي، أو يتساوى الحق والقول المبين له، أو يتساوى الحق والحكم المقرر له، أو يتساوى الحق والقانون أو النظام المحدد له.

تعريف العدل:

وعلى هذا نستطيع أن نعرف العدل: بأنه إعطاء كل ذي حق ما يعادل حقه ويساويه دون زيادة ولا نقصان.

ويمكن أن نعرفه: بأنه المساواة بين التصرف وبين ما يقتضيه الحق دون زيادة ولا نقصان.

ومن أجل ذلك كان الميزان رمزًا لإقامة العدل.

وقد لا يقتصر الميزان –الذي هو رمز لإقامة العدل- على كفتين متقابلتين لوزن الشيء الواحد، بل ربما يكون ميزانًا ذا كفتين أو أكثر من كل جهة من شطري الدائرة الأفقية، وكل كفة في جهة مقادير الحق تقابلها كفة في جهة التقويم بالعدل، ولا تستقيم إشارة العدل ما لم تعادل كل كفة شقيقتها المقابلة لها في الميزان.

ومن عجيب أمر ميزان العدل أن للحق فيه موجبًا وسالبًا، أما موجب الحق فهو ثقل يرجح الكفة التي يوضع فيها، ولا يتحقق العدل إلا بوضع ثقلٍ معادلٍ له في الكفة المقابلة لها. وأما سالب الحق فهو قوة تطيش بالكفة إلى جهة العلو جاذبة لها، وبذلك تنخفض الكفة المقابلة لها، ولا يتحقق العدل في هذه الحالة إلا بوضع قوة في الكفة المقابلة من شأنها أن تجذبها إلى ارتفاع حتى تتعادل الكفتان، وتستقيم في الميزان إشارة العدل.

فهو ميزان يزن الموجب والسالب، أي: يزن الواجب والحرام، يزن ما هو حق ويزن ما ليس بحق، وتعمل فيه الحركتان الموجبة والسالبة.

ولما كان العدل مرتبطًا بالحق كان لا بد لنا من ملاحظة أن حقوقًا متعددة الجهات قد تتوارد على شيء واحد، وأن لكل جهة منها مقدارًا من الحق ذا نسبة خاصة من المجموع الكلي.

ونحاول ضرب مثل موضح للفكرة ومقرب للحقيقة، بأن نقول:

إن المال الذي يكتسبه الفرد تتوارد عليه عدة حقوق.

الحق الأول:
حق الشخص الذي اكتسبه.

الحق الثاني:
حق أصحاب النفقة الواجبة فيه، كزوجة مكتسب المال، وأولاده الصغار، وأصوله وفروعه الفقراء.

الحق الثالث:
حق الجماعة والمرافق العامة فيه.

الحق الرابع:
حق الفقراء والمساكين ومن يلحق بهم.

وقد تم تحديد هذه الحقوق المختلفة من قبل صاحب الحق كله في كل شيء في الوجود، وهو الله تبارك وتعالى.

فإذا وضعنا ثقل كل حق من هذه الحقوق الأربعة في كفة من كفات ميزان العدل، فسنجد أربع كفات قد رجحت، وكان رجحان كل كفة منها بمقدار ثقل الحق الذي وضع فيها، وهذه الكفات الأربع قد قابلها أربع كفات طائشات، إذ تتطلب كل واحدة منها عطاء في النظام معادلًا لمقدار ثقل الحق المقابل لها.

وإذ قد وصلنا إلى هذه المرحلة فإن علينا أن ننظر في نظام لإسلام المتعلق بهذا الموضوع.

وهنا يبدو لنا أن الإسلام قد أعطى كاسب المال من الطرق المشروعة حق التملك، ولكنه تملك يلزم معه بدفع سائر الحقوق المتعلقة بهذا المال، فيده عليه يد مستأمن ذي ولاية، فإذا خان الأمانة أخذت منه الحقوق بالقوة، من قبل ذي الولاية الأعلى، وكان عرضة للعقاب.

وأعطى الإسلام من تجب لهم النفقة حقهم من النفقة بالعدل، ووضع المادة التي تمنحهم هذا الحق في الكفة المقابلة لشقيقتها التي وضع فيها ثقل حقهم.

وأعطى الجماعة من المال حصة المرافق العامة، وذلك بالعدل الذي لا إجحاف فيه على حق كاسب المال.

وأعطى الفقراء والمساكين ومن يلحق بهم من المال حصتهم بالعدل أيضًا.

وهكذا بالتوزيع العادل تعادلت الكفات المتراجحة في طرفي الميزان، وبتعادلها جميعًا استقامت إشارة العدل العامة.