موسوعةالأخلاق الإسلامية-النفاق(من الظواهر السلوكية الدالة على نفاق المنافقين)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-النفاق(من الظواهر السلوكية الدالة على نفاق المنافقين)
215 0

الوصف

                                                                 النفاق

                                               من الظواهر السلوكية الدالة على نفاق المنافقين
                   الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 4- النفاق >>

13- ومن الظواهر السلوكية الدالة على نفاق المنافقين تركهم التحاكم إلى الله والرسول، وتحاكمهم إلى الطاغوت، طمعًا بأن يكون حكم الطاغوت لمصلحتهم، وقد دل على هذه الظاهرة من ظواهرهم قول الله تعالى في سورة (النساء 4):

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63)) .

إن التحاكم إلى غير حكم الله والرسول مع وجود حكم الله أو حكم رسوله تحاكم إلى الطاغوت، والمسلم منذ يعلن إسلامه يعطي عهدًا بقبول أحكام الله وأحكام الرسول مهما كانت مخالفة لأهوائه الخاصة، وما دام المنافق غير مؤمن إيمانًا صادقًا فإنه لا يجد في نفسه دافعًا لالتزام أحكام الله والرسول، فلا بد أن يميل إلى التحاكم إلى غير أحكام الله حينما يرى أنها قد تكون أرضى لهواه.

فمن أمثلة ذلك ما روي عن ابن عباس أن منافقًا اختصم مع يهودي في أمر، فعرف اليهودي أن الحق في جانبه، فدعاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي بينهما، علمًا منه بأن الرسول لا يقضي إلا بالحق الذي يراه، أما المنافق فدعاه إلى قاضٍ من قضاة اليهود يقال له: (كعب بن الأشرف) ليقضي بينهما، ظنًا منه أن هذا القاضي من اليهود سيمالئ المسلم المنافق ويحكم له بالباطل، وأصر اليهودي على أن يتحاكما إلى محمد صلوات الله عليه، فتحاكما إليه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي لأن الحق معه. فلم يرض المنافق بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا اليهودي إلى عمر بن الخطاب ليحكم بينهما، فوافق اليهودي لعلمه بأن عمر بن الخطاب لن يرضى بغير حكم رسول الله بديلًا، فلما قدما إليه خرج إليهما فتحاكما إليه، فقال اليهودي: يا ابن الخطاب لقد احتكمنا إلى محمد فقضى لي، فلم يرض هذا بقضائه، فقال عمر للرجل: أهكذا؟ قال الرجل: نعم يا ابن الخطاب، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى مات، ثم قال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله.

وحين لا يقبل المنافقون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذارهم الكاذبة الملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، ويقولون: إننا لم نرد مخالفة الرسول في أحكامه وأقضيته، وإنما أردنا التوفيق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين، وهذا ما دل عليه النص بقوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63)) أي: خاطبهم سرًا بحقيقة حالهم وما يخفون من نفاق.

14- ومن الظواهر السلوكية الدالة على نفاق المنافقين، متابعتهم الكافرين الصرحاء في الاندفاع وراء الأوهام والخرافات، واعتقادها، والترويج لها كأنها حقائق ثابتة، في حين أنهم يبدون تشككهم بالحقائق الواضحة البينة، ويتوقفون دون التسليم بها، تذرعًا بأن التحقيق العلمي وأصالة الرأي يستوجبان التريث والأناة، وعدم التسليم، قبل ثبوت الحقيقة ثبوتًا ملموسًا محسًا.

وهم في هذا الموقف المتناقض يرفضون الحق ويؤمنون بالباطل، وما أكثر الخرافات التي تسيطر على عقولهم ونفوسهم!!

والسبب في ذلك أن من لم يأخذ بالحقائق الواضحة التي تقوم عليها دلائل العقل، فلا بد أن يترك في نفسه فراغًا كبيرًا للأوهام والخرافات، التي تتسلل في ظلمات النفس تسلل اللصوص، وفيها تتخذ زوايا تبني فيها بيوتها الواهنة، من خيوط وهمية أو ضعيفة، فقد يتشاءمون أو يتطيرون من أشياء، وينسبون إليها حظوظ السعادة أو الشقاء، وقد يؤمنون بأقوال المنجمين الذين يرجمون بالغيب، وقد يستسلمون لدجال يقرأ لهم خطوط الأكف، أو يعبث بالرمل، ويكذب عليهم، وقد يصدقون دجالة تقرأ لهم غيوبهم وأرزاقهم وما سيحدث لهم في فناجين القهوة، أو نحو ذلك من وسائل وخدع شيطانية!!.

ومن أمثلة هذه الظاهرة موقفهم من حادثة الجدب التي تعرضت له المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، ضمن نظام الأسباب الكونية العامة.

وقد استغل اليهود هذه الحادثة وتابعهم المنافقون لما في قلوبهم من مرض، فأخذوا يتشاءمون ويتطيرون برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أن ذلك قد كان بسبب مقدمه عليهم، متجاهلين النظام الكوني العام، وأن الله هو الذي يصرف أمور الكون كلها وفق مقتضى حكمته، وأن ما يصيب الناس من نعم تسرهم أو مصائب تسوؤهم فلله فيه حكمة، إما الابتلاء، وإما الجزاء، وإما التربية والتأديب.

إنهم قد تركوا الحقيقة المشرقة، وتعلقوا بأوهام التشاؤم والتطير، وهي أمور لا أساس لها في منطق العقل ولا في منطق الواقع، وقد أعلن الإسلام بطلانها، وأبان أنها من خرافات الجاهلية التي تعلق بنفوس الناس، حين تفرغ هذه النفوس من حقائق المعتقدات الصحيحة، والأسباب المنطقية.

وقد أشار القرآن إلى موقفهم هذا بقول الله تعالى في سورة (النساء 4):

(وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ اللهِ فَمَا لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا (79)) .

فبين الله في هذا النص أن النعم والمصائب كلها من عند الله، ينزلها على عباده وفق حكمته، أما النعم فمن محض فضل الله، وأما المصائب فبسبب من الناس أنفسهم، ولمصلحة اقتضاها واقع حالهم، من جزاء أو تربية أو ابتلاء.

فمن مقالاتهم التي أطلقوها في التشاؤم والتطير من الرسول صلوات الله عليه قولهم: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم هذا الرجل وأصحابه.

لقد فعلوا مثلما فعل آل فرعون من قبل، إذ تطيروا بموسى ومن معه، لما عاقبهم الله بالسنين ونقص من الثمرات ليتذكروا، قال الله تعالى في سورة (الأعراف 7):

(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (131)) .

أي: إنما أقدار ما يصيبهم من مصائب عند الله، فهو الذي يصيبهم بها وفق حكمته، فلا شأن للآخرين بها، ولكن أكثرهم لا يعلمون أسرار حكم الله فيما تجري به مقاديره، ولا يعلمون أن هذه المصائب مذكرات لهم بالله حتى يؤمنوا به ويتبعوا رسله.

وقالت ثمود لرسولهم صالح عليه السلام مثل مقالة آل فرعون لموسى ومن معه، وفي بيان ذلك قال الله تعالى في سورة (النمل 27):

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)) .

أي: بل أنتم تمتحنون بما يصيبكم من مصائب دنيوية وتختبرون لعلكم تتذكرون وترجعون إلى ربكم، فتستغفرونه من ذنوبكم، وعند ذلك يرحمكم فيرفع عنكم ما نزل بكم من مصائب.

وكذلك قال أصحاب القرية الذين أرسل الله لهم ثلاثة رسل، فكذبوهم، فذكرهم الله بنذر العذاب، فتطيروا برسل ربهم، وفي بيان ذلك قال الله تعالى في سورة (يس 36):

(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)) .

أي: تطيرتم بنا لأن الله ذكركم بشيء من المصائب التي مسكم بها حتى ترجعوا إليه فتؤمنوا به وبرسله، فطائركم معكم، وهو ما لديكم من أسباب استدعت تذكيركم ببعض صنوف الجزاء الدنيوي المعجل.

15- ومن الظواهر السلوكية الدالة على نفاق المنافقين، أنهم إذا دعوا إلى أمر فيه مخاطرة ما، ويتطلب مقدارًا ما من الشجاعة والإقدام، جبنوا وتخاذلوا وتباطؤوا وتأخروا عن المساهمة، ووقفوا يترقبون النتائج       بعيدًا عن ساحة المعركة، فإذا كانت النتائج غير سارة تبجح