موسوعةالأخلاق الإسلامية-النفاق(من صفات المنافقين)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-النفاق(من صفات المنافقين)
241 0

الوصف

                                                                  النفاق

                                                            من صفات المنافقين
                                الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 4- النفاق >>

8- ومن صفات المنافقين أن النفاق فيهم قد يتحول من ممارسة غير صادرة عن خلق أصيل في النفس، إلى خلق يتولد عنه انطماس البصيرة، والطبع على القلوب، حتى لا تجد المعارف الحقيقية والمذكرات بالله واليوم الآخر منافذ تنفذ منها إلى مواطن إدراكها، فهم لا يفقهون ما يسمعونه من دعوة إلى الحق والخير والهدى، وفي بيان هذا من صفاتهم قال الله تعالى في سورة (المنافقون 63):

(اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (3)) .

إنهم لما سلكوا مسلك النفاق، وجعلوه خطةً دائمة لهم، فتذبذبوا بين ظاهر الإيمان وباطن الكفر، وأتقنوا صناعة التلون بعدة ألوان، واتخاذ عدة وجوه، ومهروا في ستر أنفسهم بالمظاهر الكاذبة من أقوال وأعمال، أكسبهم ذلك جرأةً على الجريمة، وجرأة على تغطية الجريمة بحلف الأيمان الكاذبة الفاجرة، حتى يظنهم من يشاهدونهم لأول مرة أنهم صادقون؛ لأنهم في أقوالهم الكاذبة وأيمانهم الفاجرة لا يتلجلجون، فالكذب صار خلقًا لهم، وبمثابة الأخلاق الفطرية، فتسبب لهم كل ذلك بإغلاق منافذ قلوبهم المدركة، وبإقفالها، ثم الطبع عليها بالخاتم، إشعارًا بعدم الإذن بجواز فتحها، فانطمست بصائرهم، فهم لا يفقهون الأمور، ولا يتدبرونها، ولا يتبصرون بالنتائج ولا بالعواقب الوخيمة للأعمال الفاسدة المفسدة، لذلك فهم ينطلقون في جرائم نفاقهم بجرأة ووقاحة كأنهم هداة مصلحون غير مفسدين.

9- ومن صفات المنافقين أن ظواهرهم قد تعجب الناظرين، وأن أقوالهم ترضي السامعين، وفي بيان هذا من صفاتهم قال الله تعالى في سورة (المنافقون 63):

(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ .... (4)) .

فهم يتصنعون الظواهر التي تخدع الأنظار، حتى تظن فيهم خيرًا، ويعتنون بتحسين أجسامهم وتزيين أعمالهم مما يكسبهم وجاهة ومكانة بين الناس، فلا تدل أجسامهم ولا مظاهرهم على أنهم منافقون أخباث.

وإن يقولوا تسمع لقولهم؛ لأن لديهم القدرة على تنميق أقوالهم وتزيينها، فهم إذا تحدثوا استمالوا سامعيهم وأثروا فيهم، وقد كان زعيم منافقي المدينة عبد الله بن أبي بن سلول رجلًا جسيمًا فصيحًا.

10- ومن صفات المنافقين أنهم إذا حضروا مجالس العلم والموعظة والتذكير بالله حضروا بأجسامهم فقط، وعقولهم وقلوبهم في أودية أهوائهم وشهواتهم وأغراض دنياهم، فكأنهم في هذه المجالس الإسلامية الربانية خشب مسندة. وفي بيان هذا من صفاتهم قال الله تعالى في سورة (المنافقون 63):

(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ .... (4)) .

فكانوا إذا حضروا مجالس الرسول العامة حضروا بأجسامهم فقط، لكنهم بأفكارهم وقلوبهم غائبون، لا يفقهون مما يقول الرسول شيئًا، فحضورهم في هذه المجالس كحضور أعمدة من الخشب مسندة على الجدر حتى لا تسقط، فهي لا تفقه ولا تعي شيئًا مما يجري حولها، ولذلك كانوا يقولون إذا خرجوا من مجلس الرسول: "ماذا قال آنفًا؟" قال الله تعالى في سورة (محمد 47):

(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)) .

11- ومن صفات المنافقين أنهم في حالة مستمرة من الذعر والقلق والخوف من انكشاف خياناتهم، وفي حالة تخوف دائم من أن ينكشف كفرهم فيصدر النداء لقتالهم والنكاية بهم، لذلك فهم يحسبون كل صيحةٍ مسلطةً عليهم. وفي بيان هذا من صفاتهم قال الله تعالى في سورة (المنافقون 63):

(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)) .

ففي قول الله: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) تعبير بارع ورائع عن حالة الذعر والقلق التي تلازم قلوبهم، إنهم يتحيرون ويترددون ويضطربون وهم يسيرون في طريق الخيانة والمخادعة، والخائن المخادع من شأنه أن يستولي عليه الذعر والقلق، فهو على طول طريق الخيانة خائف جبان رعديد حذرٌ من كل شيء، إنه يخشى ظله إذا اتبعه، ويخشى الطائر إذا نفر منه، وربما علق ثوبه بعود شجرة فظن أن الطلب قد أدركه، ويحسب كل صيحة يسمعها أنها تنادي بالقبض عليه، لمحاسبته ومعاقبته على خيانته التي يسير في طريقها ظالمًا آثمًا.

ولا بد أن تكون عداوة هؤلاء الخائنين الخائفين أشد من عداوة الكافرين المجاهرين بكفرهم وبعداوتهم، ولذلك قال الله تعالى: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) أي: هم البالغون بعداوتهم الدرجة القصوى، وهم الذين تجب المبالغة في الحذر منهم؛ بترقب كل حركة من حركاتهم، ومراقبة كل تصرف من تصرفاتهم، قاتلهم الله وأخزاهم وأفشل خططهم.

أنى يؤفكون؟! أي: كيف يصرفون عن طريق الحق، طريق الهداية والرشاد، فيسلكون سبل الكفر والضلال، سبل النفاق والخيانة والمخادعة؟!