موسوعةالأخلاق الإسلامية-النفاق(النفاق في الدين أصلي وطارئ)
الوصف
النفاق
النفاق في الدين أصلي وطارئ
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 4- النفاق >>
النفاق في الدين أصلي وطارئ:
تدفع المصلحة الدنيوية بعض الناس إلى أن يتظاهر بالانتساب إلى الإسلام وهو غير مؤمن به من قلبه، فيكون منافقًا منذ الفترة الأولى لإعلانه الإسلام، ثم يستمر على نفاقه، فهذا هو النفاق الأصلي الذي لم يسبق بإسلام صحيح.
وقد يعلن بعض الناس إسلامهم وهم صادقون غير كاذبين، ثم يطرأ الشك على قلوبهم، بعد تعرضهم لامتحانات مختلفة يمتحن الله بها صدق إيمانهم، فيرتدون عن الإسلام ارتدادًا داخليًّا، ويخشون إعلان ردتهم ويستمرون على التظاهر بالإسلام، مخافة إجراء أحكام الردة عليهم، أو مخافة فوات منافع أو مصالح تأتيهم بوصفهم مسلمين، ومن ذلك خسارتهم مكانتهم في مجتمعهم، وتعرضهم للذم والنقد والتلويم، إلى غير ذلك من صور الضغط الاجتماعي، فهذا هو النفاق الطارئ الذي طرأ بعد إسلام صحيح.
وقد تتكرر العملية عند بعض الناس بسبب عوارض الشك التي تأتي من جراء امتحانات مختلفة، فيرجعون إلى صدق الإسلام، ثم يعودون إلى الكفر في قلوبهم، ويظل ظاهرهم في مختلف الأحوال مستمرًا على الإعلان الأول الذي أعلنوا فيه إسلامهم، وهؤلاء يقال فيهم: إنهم آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرًا.
وقد دل على النفاق الطارئ بعد إسلام صحيح ما وصف الله به طائفة منهم، وذلك في قوله تعالى في سورة (التوبة 9):
(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78)) .
فقوله تعالى: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ .... ) يشعر بأن النفاق لم يكن من قبل الامتحان بالغنى، وأنه لما حصل الامتحان ونكثوا عهودهم مع الله ولد ذلك نفاقًا في قلوبهم، أي: ولد كفرًا في قلوبهم وردة داخلية، مع استبقاءٍ في الظاهر للإسلام الذي كانوا قد التزموا به، وإنما استبقوا ظاهر إسلامهم لأنهم خافوا من إدانتهم بالردة ومن إجراء أحكامها عليهم.
فالردة عن الإسلام كما تكون ردة علنية يعلن فيها المرتد كفره الصريح، تكون ردة مكتومة، وذلك بالكفر القلبي، مع استمرار التظاهر بالإسلام.
وقد يدل عليه أيضًا قول الله تعالى في سورة (المنافقون 63):
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (3)) .
إذ أثبت لهم الإيمان أولًا، وعطف عليه إثبات كفرهم بحرف العطف الدال على التراخي، فدل على أن كفرهم القلبي كفرٌ عارض وليس أصليًّا، مع أن الحديث عن المنافقين.
ووصف الله طائفة من المنافقين بالتردد بين الإيمان والكفر أكثر من مرة، فقال تعالى في سورة (النساء 4):
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) .