موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق( ح - الحالات التي يجوز فيها الكذب)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق( ح - الحالات التي يجوز فيها الكذب)
570 0

الوصف

                                                                الصدق

                                                      ح - الحالات التي يجوز فيها الكذب
                           الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 3- الصدق >>

ح - الحالات التي يجوز فيها الكذب:

الأصل في الكذب عدم الجواز، للأسباب التي تم بيانها فيما سبق، ولكن توجد حالات يجوز فيها الكذب، تحقيقًا لمصلحة هي أعظم مما في الكذب من مضرة، أو دفعًا لضرر هو أشد مما في الكذب من ضرر.

1- فمن الحالات التي يجوز فيها الكذب، الكذب على العدو في حالة حربه للمسلمين، لتضليله، ولإيقاعه في فخ من فخاخ الخداع الحربي. ولكن لا يدخل في هذا جواز الكذب عليه بتأمينه أو معاهدته ثم الغدر به، فهذا غير جائز قطعًا؛ لأن التأمين أو المعاهدة كل منهما ينهي حالة الحرب القائمة، فيلقي كل من الفريقين حذره الحربي، ويستسلم كل منهما إلى صدق الكلمة، وعندئذٍ يرجع الكذب إلى أصل حكمه، ويكون استخدامه في الكلام محرمًا، ولو كان مع العدو.

فمن أمثلة الكذب الجائز على العدو، ما لو وقع مسلم في أسره، فسأله عن مواقع المسلمين الحربية، أو عن عدد المسلمين، أو عن أسلحتهم وأعتدتهم، فمن واجب المسلم والحالة هذه أن لا يعطي العدو فرصة معرفة ما يمكنه من النكاية بالمسلمين وكيدهم، بل يكتم عنه الحقيقة، ويعطيه أكاذيب تضلله وتمكن المسلمين منه، والحرج من الكذب في مثل هذه المواقف سذاجة وغفلة وعدم فهم في الدين.

ولكن إن استطاع أن يتخلص من الموقف المحرج عن طريق التورية، والمواربة في القول، دون اللجوء إلى الكذب الصريح كان خيرًا له، إلا أن تكون المصلحة الحربية للمسلمين لا تتحقق إلا بالكذب الصريح فهو الذي ينبغي اللجوء إليه، نظرًا إلى المصلحة التي تترتب عليه، وعدم وجود وسيلة أخرى تقوم مقامه من الوسائل التي هي في الأصل مباحة.

ومعلوم أن الحرب خدعة، وكما جاز القتال في الحرب –وهو في الأصل محرم- لأن الضرورة دعت إليه، جاز الكذب على العدو في حالة الحرب، وهو في أكثر أحواله أخف من القتال. ويؤكد هذه الحقيقة أن كلًا من الفريقين المتحاربين يضع في حسابه عدم الثقة بأقوال خصمه، ويضع في حسابه أن عدوه لا يترك سبيلًا لمخادعته إلا سلكها، وسلاح الخداع بالأقوال أو بالأفعال أحد أسلحة الحرب الفتاكة، يعلمها الخبراء بفنون الحرب، ومن أقوال الرسول التي شاعت ضمن الأمثال السائرة قوله:

الحرب خدعة.

2- ومن الحالات التي يجوز فيها الكذب، أن يتوسط إنسان للإصلاح بين فريقين متخاصمين، ثم لا يجد وسيلة للإصلاح بينهما أنجع من أن يركب مركب الكذب على مقدار الضرورة، أما إذا تسنى له أن يوري بأقواله دون أن يكذب فهو خير له، وهو الأمر الذي يحبه الله ورسوله.

روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

أي: يذيع أقوالًا للإصلاح بين الناس، ولإزالة ما بينهم من عداوات، وربما كانت هذه الأقوال غير صحيحة.

فهذه الحالة من الحالات التي رخص الإسلام فيها بالكذب على مقدار الضرورة، ومهما أمكن الإصلاح بوسيلة غير وسيلة الكذب من الوسائل المباحة في الأصل فهي الوسيلة التي ينبغي اتخاذها.

3- ومن الحالات التي يجوز الكذب فيها حديث الرجل لامرأته، وحديث المرأة لزوجها، في الأمور التي تشد أواصر الوفاق، والمودة بينهما، فهذه حالة يتسامح فيها بشيء من الكذب لتوثيق روابط الأسرة، ولإضفاء الأجواء الشاعرية على مجالس الأنس والسمر والغزل بين الزوجين ففي مثل هذه المجالس تحلو المبالغات وإن كانت كاذبة، وتزداد معطيات المتعة والأنس والصفاء، وهذا ما يعمل الإسلام على تغذيته بين الزوجين.

روى مسلم وأحمد وأبو داود عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: "لم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب مما تقول الناس، إلا في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها".

وروى الترمذي عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا أيها الناس، ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراش في النار، الكذب كله على ابن آدم حرام، إلا في ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما.

والكذبات الثلاث التي كذبها إبراهيم عليه السلام هي من الكذب المباح اثنتان منهما في ذات الله، والثالثة فيها تورية للنجاة من جبار ظالم غاشم، أما الأولى فقوله: "إني سقيم" وأما الثانية فقوله عن تكسير الأصنام: "بل فعله كبيرهم هذا" وأما الثالثة فقوله للجبار عن زوجته سارة: "هي أختي" وهو يعني أخته في الإسلام، وليس في شيء من هذه الكذبات ما هو محرم.


ولا يدخل في الكذب المباح ما تكذب به المرأة على ضرتها، إذ تخبرها بأن زوجها اصطفاها بكذا، وأكرمها بكذا، وهو لم يفعل، بل هو كذب محرم، روى البخاري ومسلم عن أسماء رضي الله عنها، أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن لي ضرة، فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟  أي: إن تظاهرت بأنه يعطيني أشياء وهو في واقع حاله لم يعطني إياها.   فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور

!! أي: كلابس ثوبي كذب، يكذب بهما على الناس، أحدهما فوق الآخر.