موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق(أ - الصدق في الأقوال)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصدق(أ - الصدق في الأقوال)
231 0

الوصف

                                                               الصدق

                                                        أ - الصدق في الأقوال
                   الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 3- الصدق >>

(أ) الصدق في الأقوال : يعرف الصدق بأنه قول الحق، وبأنه القول المطابق للواقع والحقيقة.

ويعرف بعضهم الصدق بأنه الكلام المطابق لاعتقاد المتكلم سواء طابق الواقع والحقيقة أو لم يطابق، وهذا التعريف معترض عليه بأنه لو جاز أن نسمي ما طابق اعتقاد المتكلم صدقًا لكان قول المشركين فيما يعتقدون لشركائهم كلامًا صدقًا، مع أنه كذب ظاهر، مخالف للواقع والحقيقة.

وأرى التفريق بين الكلام والمتكلم: فإذا تحدث الإنسان بخبر ما وكان كلامه الذي قاله مطابقًا لما يعتقد في الموضوع الذي تحدث به ومخالفًا للواقع، فإنه منسجم مع نفسه، وهو في حديثه صادق غير كاذب، إلا أن كلامه هو بحد ذاته كذب. لأنه مخالف للواقع والحقيقة. أما إذا تحدث الإنسان بخبر ما وكان كلامه الذي قاله مخالفًا لما يعتقد في الموضوع الذي تحدث به، ومطابقًا للواقع والحقيقة، فإنه غير منسجم مع نفسه، وهو في حديثه كاذب غير صادق، إلا أن كلامه هو بحد ذاته صدق؛ لأنه مطابق للواقع والحقيقة. وعلى هذا فقد نصف المتكلم بأنه كاذب لأنه تكلم على خلاف اعتقاده، مع أن كلامه قد يكون موصوفًا بالصدق لأنه موافق للواقع والحقيقة فلكلٍ من الكلام والمتكلم وصف ملائم لواقع حاله. ومن أمثلة ذلك قول المنافقين المتظاهرين بالإسلام، إذ قالوا بألسنتهم كلامًا حقًّا مطابقًا للواقع، وهو كلام بحد ذاته صدق، إلا أنهم لا يعتقدونه، فهم كاذبون في إعلانه، ولذلك وصفهم القرآن بأنهم كاذبون؛ لأنهم منافقون لا يعتقدون ما يقولون، قال الله تعالى في سورة (المنافقون 63):

(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)) .

فهؤلاء المنافقون قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نشهد إنك لرسول الله، وقولهم هذا كلام حق وصدق، إلا أنهم مع ذلك كاذبون لأنهم قالوا كلامًا لا يعتقدونه، ولذلك قال تعالى قبل إعلان أنهم كاذبون: (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) ثم قال: (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) وذلك لأنهم لا يعتقدون ما يقولون.

ويرى علماء البلاغة أن الله أكذبهم بقولهم: (نَشْهَدُ) لأن معنى نشهد: نقول بألسنتنا ما هو في قلوبنا، وهذا مخالف للحقيقة والواقع، إذ قلوبهم مخالفة لما ذكروه بألسنتهم.

ونقول في جواب هذا: إن كل إنسان يقول بلسانه خبرًا على خلاف ما في قلبه من اعتقاد يقدم شهادةً بما يعتقد، سواء أذكر عبارة الشهادة أم لم يذكرها، وبذلك يصح لنا أن نسميه كاذبًا.

وفي رأيي ينحل الإشكال حين نفرق في الوصف بين الكلام والمتكلم، فنصف كلًا منهما بما يناسب واقع حاله، فالكلام الصدق هو ما كان مطابقًا للواقع والحقيقة والمتكلم الصادق هو المخبر بما يطابق اعتقاده.

ومن الأدلة الدالة على أن وصف المتكلم بأنه كاذب لا يكون إلا إذا كان المتكلم يعلم من نفسه أنه كاذب، وأنه يقول ما يقول افتراءً يفتريه على الحقيقة، قول الله تعالى في سورة (النحل 16):

(إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)) .

فجعل الله في هذه الآية مفتري الكذب هم وحدهم الكاذبين، أي: المدانين بما يقولون من أقوال كاذبة؛ لأنهم يفترونها، فهم يقولونها وهم يعلمون أنها كذب مفترى.

فالإدانة بالكذب إنما تكون مع علم المتكلم بأن ما يقوله كلام كذب مخالف للواقع أو لما يعتقد، ومن شواهد ذلك قول الله في سورة (آل عمران 3):

(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)) .

وقول الله أيضًا في سورة (آل عمران 3):

(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)) .

فهؤلاء من أهل الكتاب يقولون كلامًا كذبًا، وهم يعلمون أنه كذب، فهم كاذبون مدانون بالافتراء.

أما قول الله تعالى في سورة (النحل 16):

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)) .

فهؤلاء قد أنكروا البعث من غير دليل، وأقسموا بالله جهد أيمانهم قائلين: لا يبعث الله من يموت، دون أن يكون لهم أي مستند عقلي أو علمي أو خبري يبرر ادعاءهم، بل الحجج العقلية والنقلية تثبت خلاف ما يقولون. فليس من المعقول أن تكون لديهم عقيدة جازمة بأن الله لا يبعث من يموت، حتى يقسموا بالله جهد أيمانهم على ذلك، وحتى نعتبرهم منسجمين مع أنفسهم، لذلك فهم يقولون كلامًا كذبًا، وهم مدانون بأنهم كاذبون.

وعلى فرض أنهم يعبرون عن عقيدتهم، فإنهم سيعلمون يوم القيامة أنهم كانوا كاذبين أي: كانوا يقولون كلامًا كذبًا مخالفًا للواقع والحقيقة.