موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك(2- الاعتراف بالحق والإذعان له)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك(2- الاعتراف بالحق والإذعان له)
245 0

الوصف

                                                               حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك

                                                                  2- الاعتراف بالحق والإذعان له
                       الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >>

2- الاعتراف بالحق والإذعان له

من الظواهر التي ترجع إلى خلق حب الحق وإيثاره الاعتراف بالحق والإذعان له.


ومن البدهي أن من لا يعترف بالحق ولا يذعن له بعد ظهوره له واستبانته لأدلته، محرومٌ من جوهرة عظيمة أساسية ورئيسية من جواهر عقد الأخلاق، ومصاب بداء قسوة القلب عن قبول دعوة الحق والاستجابة لنداء الخير والهداية.  سيأتي إن شاء الله شرح قسوة القلب في المفاهيم الإسلامية، عند شرح خلق الرحمة والخلق المناقض لها.  

فلو رأينا إنسانًا اتهم بالجنون رجلًا عاقلًا ذكيًّا حصيفًا، فإننا بالبداهة نصف هذا المتهم الظالم بأنه محروم من خلق كريم، إذ جحد حقيقة واقعة يتصف بها الرجل الذكي العاقل الحصيف، وأثبت له خلافها مما ليس فيه، وشتمه بذلك.

فجحود الحق مع العلم بأنه حق انحراف خلقي قبيح، والعوامل النفسية الدافعة لهذا الجحود كثيرة، وكلها لا تعدو أن تكون من قبيل الأهواء الجانحة.

ولو أقرضنا إنسانًا مبلغًا من المال فجحده وأنكره، فإننا نصفه بأنه آكل لأموال غيره بالباطل، منحرف في خلقه عن المكارم، ولو أنه أدى ما عليه إلا أنه جحد المعروف ولم يعترف به، فإننا نصفه أيضًا بأنه جاحد للحق، منحرف في خلقه عن المكارم، ناكر للجميل.

وكذلك الذي ينكر فضل ذوي الفضل، ويجحد علم أصحاب العلم، لا سيما إذا كان ذلك يفضي إلى الإضرار بمصالح ذوي الفضل والعلم، إنه لا يفعل شيئًا من ذلك إلا محروم من ركن أساسي من أركان الأخلاق الكريمة، وساقط في رذيلة كبرى من الرذائل الخلقية، هي رذيلة جحود الحق وعدم الاعتراف به والإذعان له.

وأكثر خسة وأعظم لؤمًا وانحرافًا خلقيًّا من يجحد فضل أبويه عليه ولا يذعن له، ولا يقوم بما عليه من حق لهما.

وأقبح من ذلك من يجحد رسالة رسل الله، ولا يعترف بها، ولا يذعن لها، مع ظهور الأدلة ووضوح البراهين!! ولهذا الجنوح الخلقي الشنيع سمة خاصة عنوانها الكفر.

وأخس من ذلك وأشنع وأقبح إنكار وجود الله، وعدم الاعتراف بأنه الخالق الرازق المحيي المميت، الذي يجازي على الخير خيرًا وعلى الشر شرًا، مع أن الله تبارك وتعالى قد بث أدلة وجوده وصفاته في كل ما خلق من شيء!! إن إنكار وجود الله وإنكار صفاته وعظيم نعمه لؤم وخسة وحقارة بالغة، وسوء خلقي بلغ الدرك الأسفل؛ لأنه جحود لكبرى حقائق الوجود، وجحود لنعم المنعم بالحياة والعقل والإرادة وسائر ما في الحياة من نعم وخيرات، وجحود للمنعم بالجزاء العظيم على الإيمان به والتزام طاعته. إن هذا الجحود يدل على انهيار خلقي شنيع.

لقد جاء موسى عليه السلام فرعون وقومه بالآيات البينات فجحدوا بها ظلمًا واستعلاءً بغير حق، مع أن أنفسهم قد استيقنتها، فكان جحودهم بها بسبب انحراف خلقي ذميم لديهم، هو الظلم والاستعلاء بغير حق، قال الله تعالى في سورة (النمل 27):

(فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)) .

وبين الله أنه لا يجحد بآياته إلا كل غدار كفور، فقال تعالى في سورة (لقمان 31):

(وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) .

الختار: هو الغدار.

والجاحد المشار إليه في هذه الآية جاحد من نوع معين، إنه حينما تعرض للأزمات والشدائد دعا ربه وأخلص له الدين، وأعطى العهد على الطاعة والتزام الإيمان الصادق، فلما أنجاه الله رجع فأعلن جحوده بآيات الله، وهذا منتهى الغدر الخسيس، إنه مخلوق مراوغ أعطى عهد الإيمان لينجو، فلما نجا غدر بعهده الذي عاهد الله عليه، ولذلك وصفه الله بأنه ختار –أي: غدار- ووصفه بأنه كفور، أي: كثير الكفر كثير الجحود للحق، كثير الجحود لنعم الله عليه، والغدر والكفر من أخس الرذائل الخلقية.