موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية:خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية(1- ذو الخلق العظيم)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية:خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية(1- ذو الخلق العظيم)
126 0

الوصف

                                                              خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية

                                                                              1- ذو الخلق العظيم
                                الباب الثالث: الرسول ذو الخلق العظيم وتربية القرآن له في مجال السلوك الخلقي >> الفصل الأول: خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وصفًا وتربية >>

1- ذو الخلق العظيم

وصف الله رسوله محمدًا صلوات الله عليه بأنه على خلق عظيم، ووجه له الوصف على سبيل الخطاب الذي يمدحه ويثني عليه فيه؛ فقال تبارك وتعالى في سورة (القلم 68):

(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) .

فهذا النص القرآني يثبت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لعلى خلق عظيم، أي: فهو متمكن من أخلاقه العظيمة المثلى، قابض على ناصيتها، وقد دل على هذا المعنى الاستعلاء الذي دل عليه حرف (على) في: (لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .

وهذا النص يدفعنا بطريقة غير مباشرة إلى دراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، بوصفه المثل الإنساني الكامل، لاكتشاف صفاته الخلقية التي يتحلى بها، واعتبارها كتابًا في مكارم الأخلاق مجسدًا في صورة إنسان.

وبدراسة شمائل الرسول صلوات الله عليه، تعرف مكارم الأخلاق معرفة تطبيقية عملية، ثم تكون لدى العقلاء الحكماء أمثلةً للاقتداء بها، واتباع خطواتها.

وبدراسة شمائله تتهيأ أمام الناس القدوة الحسنة، ذات الصفات الخلقية العظيمة، والتي تجذبهم إلى محبتها والاقتداء بها.

وإذ وصف الله رسوله بأنه على خلق عظيم، وجه المؤمنين إلى الاقتداء به واتخاذه أسوة حسنة، فقال تعالى في سورة (الأحزاب 33):

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا (21)) .

وكما نستطيع أن ندرس الذهب كله ونعرف خصائصه، إذا نحن درسنا قطعة عظيمة من الذهب الخالص، فإننا نستطيع أن ندرس كل مكارم الأخلاق ونتعرف عليها، إذا نحن درسنا شمائل الرسول محمد صلوات الله عليه.

وشمائله المنقولة في الأحاديث الصحيحة الثابتة رسمٌ كلامي لشخصيته.

وقد ألف عدد من المؤلفين العلماء بالحديث عدة كتب في شمائل المصطفى الخَلقية والخُلُقية، وسائر تصرفاته السلوكية، والأصل في المسلم أن يدرسها ويتعرف عليها، ليضع نصب عينيه صورة القدوة الحسنة المثلى، التي جعلها الله للناس المثل الكامل.

لقد كانت حياة الرسول وسيرته بصفة عامة مدرسة تربوية خلقية سلوكية شاملة، حتى الأنماط السلوكية التي لا تظهر فيها أول الأمر أسس المفاهيم الخلقية، كانت في حياة الرسول موصولة بأسس المفاهيم الخلقية، ولو من وجه من الوجوه، فكان لها صفة الظواهر الناتجة عن أخلاقٍ راسخة في النفس، متمكنة في أركانها.

ومن البدهي بعد هذا أن يكون الكمال التطبيقي النبوي صورة مماثلة للكمال الذي وجه القرآن له ورغب فيه، وهذا ما جعل السيدة عائشة أم المؤمنين تقول في وصف خلق الرسول صلى الله عليه وسلم: "كان خلقه القرآن" أي كان خلقه مطابقًا لما وجه له القرآن من فضائل.

وقد وصفه أصحابه رضوان الله عليهم بأنه أحسن الناس خلقًا، منها ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا.

ولذلك كان صلوات الله عليه مزكيًّا لمن آمن به واتبعه واقتدى به واهتدى بهديه، بقوله وعمله وأخلاقه، والتزكية التطهير من أدناس الأعمال والأخلاق السيئة والنيات الفاسدة والعقائد والأفكار الباطلة، قال الله تعالى في وصفه في سورة (الجمعة 62):

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (2)) .

فجعل الله من صفاته أنه يزكيهم، ولا تكون هذه التزكية بالقول المجرد، بل لا بد فيها من أن يكون الرسول مثالًا واقعيًّا حيًّا لما يدعو إليه مما تكون به تزكيتهم.

ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى مثل في كل صفاته الخلقية والسلوكية، كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبذلك وصفه الله بقوله في سورة (الأحزاب 33):

(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ .... (6)) .