موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(شرح صفات الذين يحمون أنفسهم من الْخُسْرِ)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(شرح صفات الذين يحمون أنفسهم من الْخُسْرِ)
121 0

الوصف

                                                               الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام

                                                                    شرح صفات الذين يحمون أنفسهم من الْخُسْرِ
                                                الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل التاسع: في الإنسان بوجه عام >>

شرح صفات الذين يحمون أنفسهم من الْخُسْرِ

الذي استثناهم الله في سورة (العصر) من عموم الإنسان الذي هو في خسر، لهم أربع صفات: الإيمان – العمل الصالح – التواصي بالحق – التواصي بالصبر.

أما الإيمان –وهو الصفة الأولى-: فهو عنوان الارتقاء الفكري، والثبات العاطفي حول القضايا الكبرى، والتصميم الإرادي في الإنسان.

وهو يشمل جوانب المعرفة الكبرى نحو الوجود والكون والحياة والغاية من خلق الإنسان، وما وراء مرحلة هذه الحياة الدنيا، ويشمل أيضًا الدوافع القلبية نحو كل خير في الحياة، وذلك لأن منطلق هذا الإيمان وأساسه هو الإيمان بالله الخالق الواحد الأحد، والإيمان بصفاته العظيمة وأسمائه الحسنى. ومعلوم أن الإيمان بالله يصحح الاتجاه من أول الطريق، ويرافقه بالتقويم وتصحيح الاتجاه مهما سار في حياته.

وأما العمل الصالح –وهو الصفة الثانية-: فهو عنوان الارتقاء السلوكي في الحياة، مع التزام الطريق القويم الصاعد إلى قمة المجد في العمل، وهو يشمل كل عمل من أعمال الخير التي يدفع إليها الإيمان، ويدعو إليها الإسلام، فيدخل في العمل الصالح ما جاء في الإسلام من عبادات يقوم بها المسلم، وما جاء فيه من أحكام معاملات مادية ومعاملات سياسية أو أدبية، يطالب الإسلام المسلم بأن يلتزم بها في سلوكه.

وأما التواصي بالحق –وهو الصفة الثالث-: فهو عنوان وظيفة من الوظائف الاجتماعية التي يقوم بها كل مسلم، غيرة على إخوانه المسلمين، وحرصًا منه على تعريفهم بالحق، والأخذ بأيديهم إلى الاستمساك به عقيدة وعملًا، وهو يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويشمل النصيحة العامة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والتربية على الفضائل، وتعليم ما يكون به الإنسان مسلمًا كاملًا.

والتواصي بالحق يخدم ركن الإيمان وما يستدعيه من كل قضية حقٌ.

وأما التواصي بالصبر –وهو الصفة الرابعة-: فهو عنوان وظيفة ثانية من الوظائف الاجتماعية التي يقوم بها المسلم تجاه إخوانه المسلمين.

والتواصي بالصبر يخدم ركن العمل الصالح، وذلك لأن الأعمال الصالحة لا يقوم بها الإنسان ما لم يكن عنده من الصبر ما يحمل به عبء مخالفة أهواء النفس وشهواتها.

والصبر إما أن يكون صبرًا على الطاعات وفعل الخير، وإما أن يكون صبرًا عن المعاصي وفعل الشر، وصبرًا في كف النفس وكبحها عن الشهوات المحرمة.

وكبح النفس عن محابها ورغائبها وشهواتها يحتاج إلى صبر مثل الصبر الذي يتطلبه القيام بالأعمال الإيجابية الشاقة على الأنفس.

والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من الصفات التي لا تبرز إلا ضمن الجماعة، فهما ظاهرتان من ظواهر المجتمع الإسلامي السليم القائم على التعاون والتناصح، ويمثل في تواده وتراحمه الجسد الواحد.

يضاف إلى ذلك أن الصيغة التي بني عليها فعل التواصي من الصيغ التي تدل على المشاركة، فالمسلمون يوصي بعضهم بعضًا بالحق، ويوصي بعضهم بعضًا بالصبر، ويتبادلون ذلك على سبيل المشاركة، وهذا ما يدل عليه فعل: (تواصوا) أي إن كلًا منهم يوصي غيره ويتلقى الوصية من غيره.

والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من الوظائف الاجتماعية التي تمثل في المجتمع الإسلامي قوة الدفع إلى الارتقاء في سلم الكمال، وقوة الحماية عن الانزلاق إلى دركات النقص، وقوة الصيانة التي تصون المكاسب التي يحققها المسلمون أفرادًا وجماعات، من مكاسب المعارف والفضائل الخلقية والسلوكية.

وحين يتحلى مجتمع ما بصفات الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر فإنه لا بد أن يسلم من عوامل الخسر التي تستشري في مجتمع لا يتحلى بهذه الصفات.

فما جاء في سورة (العصر) ينطبق على الإنسان بوصفه واحدًا من مجتمع، وعلى المجتمع المؤلف من أفرادٍ من الناس، إلا أنها تبرز الجانب الاجتماعي، لما لقوة الجماعة من تأثير على إصلاح الأفراد، ومن تأثير أيضًا على إفسادهم، وهو ما يسمى بقوة الضغط الجماعي، وإن كان الفرد لا يعفى من كل المسؤولية إذا كان واقعًا تحت تأثير ضغط اجتماعي مفسد؛ لأنه مسؤول بصفة فردية عن إيمانه بربه، وعن طاعته له، متى وصل الحق إلى علمه بأية وسيلة من وسائل المعرفة، سواء أكان ذلك عن طريق تبليغ الدعاة، أو كان عن طريق القراءة لكتب المعرفة، أو كان عن طريق التأمل الذاتي، فمتى عرف الإنسان الحق، وعرف ما يجب عليه من سلوك كان مسؤولًا عن ذلك بقدر علمه.

فمن عرف عناصر الإيمان عن طريق التأمل الذاتي كان عليه أن يؤمن بها، فإن هو رفض الإيمان بها اتباعًا للهوى كان مسؤولًا عن رفضه ذلك، إلا أن التعذيب على مخالفة أمور الدين من إيمان وعبادة لا يكون إلا بعد إرسال رسول مبلغ.

أما حقوق المخلوقات فيحاسب عليها ويؤاخذ عليها بقدرها؛ ولذلك يؤاخذ الله البهائم على الظلم، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء إذا نطحتها؛ لأنها تدرك أن هذا ظلم، وأنه لا حق لها به.

روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء

أي إذا هي نطحتها وآذتها بغير حق.

الجلحاء: هي التي لا قرون لها.