موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(وصف الإنسان في القرآن بأنه جحود كنود كفور)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(وصف الإنسان في القرآن بأنه جحود كنود كفور)
119 0

الوصف

                                                              الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام

                                                               وصف الإنسان في القرآن بأنه جحود كنود كفور
                                                 الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل التاسع: في الإنسان بوجه عام >>

وصف الإنسان في القرآن بأنه جحود كنود كفور:

استنادًا إلى واقع حال الإنسان الذي جاء بيانه في النصوص السابقة كان وصف الإنسان بأنه جحود وكنود وكفور أمرًا طبيعيًّا.

ولذلك نجد أن الله تبارك وتعالى قد وصف الإنسان في القرآن في عدة نصوص بأنه ظلوم كفار، وبأنه كفور، وبأنه كفورٌ مبين، وبأنه كنود، أي كفورٌ جحود للنعمة. وفي نص منها جاء التعجب من كثرة كفره، ولا يسلم من انطباق هذا الوصف عليهم من الناس إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ونسبة هؤلاء في الناس هي النسبة الأقل.

والمقصود الأول من وصفه بأنه كفورٌ أنه جحود لنعمة الله عليه، مع أن نعم الله عليه أكثر من أن يستطيع إحصاءها. ويلزم من كفر النعمة إنكار المنعم، وإنكار ما جاء من عنده، والتمرد على طاعته، وهذا هو الكفر في الدين، وهو أثر من آثار كفر نعمة الله، ولو أن الإنسان لم يكفر نعمة الله عليه لما كفر به، ولما كفر بحقه عليه، ولقام بواجب الشكر نحوه، فآمن به، وعبده حق عبادته، وأطاع أوامره ونواهيه.

1- ففي كون الإنسان ظلومًا كفارًا لنعم الله عليه، يقول الله تعالى في سورة (إبراهيم 14):

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا للهِ أَنْدَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَّأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ (31) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) .

فهذا النص يدور حول بيان طائفة من نعم الله الكبرى على الناس، وحول بيان كون الإنسان كفورًا لها ظلومًا لنفسه، فالذين كفروا من الناس قد بدلوا نعمة الله كفرًا، أي قابلوا نعمة الله بالكفر والجحود.

ثم عدد الله أنواعًا من النعم الكبرى التي أنعم بها على عباده، فذكر إنزال المطر وإخراج الثمرات، وذكر تسخير الفلك في البحر وتسخير الأنهار، وذكر نعمة استجابته دعاء من دعاه من عباده، ثم عمم فقال: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا) .

ووصف الله الإنسان بأنه كفور، فقال تعالى في سورة (الحج 22):

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)) .

ففي هذا النص نلاحظ أن الله تبارك وتعالى عدد من نعمه أنه سخر للناس ما في الأرض، وهذا يشمل كل ما يمكن أن ينتفع به الإنسان فيها، وأنه سخر الفلك تجري في البحر بأمره، وهذه نعمة يعرفها الذين يركبون البحر، أو ينتفعون من جري الفلك فيه، وأنه سبحانه يمسك السماء أن تقع على الأرض، فلا تصطدم نجوم السماء وكواكبها بالأرض، إذ تسير كل كرة في مدارها بتقدير العزيز الحكيم. وكل هذه النعم من رأفة الله بالناس ورحمته لهم.

ثم أشار النص إلى الحكمة من الخلق، وهي ابتلاء الناس في ظروف هذه الحياة الدنيا، والمطلوب في هذا الابتلاء أن يشكر الإنسان نعمة الله عليه، وذلك بعبادته وطاعته، إلا أن الإنسان كفور، يحب نعمة الله ويسعى للحصول عليها، ولكنه لا يشكرها بل يكفرها، ولذلك ختم الله النص بقوله: (إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ) .

ووصف الله الإنسان بأنه كفور مبين، أي واضح كفرانه مكشوف غير مستور، فقال تعالى في سورة (الزخرف 43):

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءً إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15)) .

وما كنا له مقرنين:
أي: وما كنا له مطيقين، من أقرنت الشيء إذا أطقته وقدرت عليه.

ففي هذا النص يعدد الله أيضًا طائفة من نعمه على الناس، فيذكر منها أنه جعل لهم الأرض مهدًا صالحة لسكنى الناس عليها، ليست ذات أغوارٍ سحيقة لا تدرك، وليست ذات رؤوس عالية حادة كظهر القنفذ لا تسكن ولا تحرث ولا تزرع، بل هي ممهدة لسكانها، وفيها مسالك وسبل يهتدي فيها السالكون لبلوغ ما يقصدون من جهاتها. ويذكر من هذه النعم نعمة إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض الميتة به، حتى تزدان بنباتها وأشجارها وثمارها. ويذكر من هذه النعم أنه خلق للناس أصناف الأشياء كلها، وأنه جعل للناس من الفلك والأنعام ما يركبون.

ولكن من الناس من كفروا بنعمة الله، فجعلوا لله من عباده جزءًا، فقالوا: ولد الله، سبحانه وتعالى عما يصفون.

ثم ختم الله النص بقوله: (إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ ).

4- ووصف الله الإنسان بأنه كنود، أي جحود لنعمة الله عليه، وبأنه شهيد على ذلك، أي يعرف من نفسه هذه الصفة، فهو جحود للنعمة مع وعي تامٌ لما يصدر عنه من جحود، لا عن جهل ونسيان. والعجيب في أمره أنه يظل يحب توارد النعم عليه من المنعم، فهو يأخذها ويطلبها ويحبها، ويكفر من أنعم عليه بها، قال الله تعالى في سورة (العاديات 100):

(إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)) .

5- وقال الله تعالى في سورة (الإسراء 17):

(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67)) .

وقال تعالى في سورة (الشورى 42):

(وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)) .

ففي حالة النعمة يبطر ويفجر ويكفر، وفي حالة المصيبة يتضجر ويتذمر ويكفر، فهو كفور جحود للنعمة.

6- وفي التعجب من كثرة كفر الإنسان يقول الله تعالى في سورة (عبس 80):

(قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)) .