موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(11- الإنسان جحود كنود كفور)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام(11- الإنسان جحود كنود كفور)
325 0

الوصف

                                                             الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في الإنسان بوجه عام

                                                                     11- الإنسان جحود كنود كفور
                                                    الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل التاسع: في الإنسان بوجه عام >>

11- الإنسان جحود كنود كفور

من الصفات التي وصف الله بها الإنسان أنه جحود كنود كفور، إذا أصابته النعمة أعرض ونأى بجانبه، وكفر بأنعم الله عليه، وزعم أن ما أصابه من نعمة أو غنى كان بعلمه وسعيه ومهارته وحذقه وحسن تدبيره، وإذا مسه الضر كان يؤوسًا متضجرًا حزينًا، متسخطًا على ربه، زاعمًا أن الله لم يعطه في الحياة ما يستحق، شاكًا بعدل الله وحكمته، أو جاحدًا لذلك. وإذا وقع في مأزق حرج، وأحاطت به المخاوف من كل جهة، لجأ إلى ربه يدعوه ويرجوه ويسأله أن ينجيه، ويعاهد ربه أن يكون له من الشاكرين إذا أنجاه وأنقذه مما هو فيه، فإذا استجاب الله له ورحمه وأنجاه نقض عهده، وأخذ يعلل نجاته بالأسباب، ويمكر في آيات الله، وعاد إلى ما كان عليه من بغي في الأرض وإفساد.

هذا هو واقع حال الإنسان بوجه عام غالب باستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالإيمان بالله وما يلزم عنه من سلوك قويم، هو المصلح الوحيد، وهو المقوم الوحيد لسلوك الإنسان على صراط الحق وفضائل الخلق، وعبادة الله حق عبادته.

والنصوص القرآنية التي جاء فيها وصف الإنسان بهذه الصفات كثيرة، منها النصوص التالية:

1- يقول الله تعالى في سورة (هود 11):

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)) .

2- ويقول الله تعالى في سورة (يونس 10):

(وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)) .

فالسبب في إعراض الإنسان عن ربه إذا كشف عنه الضر إسرافه، أي تجاوزه الحد واستغراقه في ارتكاب المعاصي والآثام والذنوب والخطايا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

3- ويقول الله تعالى في سورة (الإسراء 17):

(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)) .

4- ويقول الله تعالى أيضًا في سورة (الإسراء 17):

(وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلُّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً (84)) .

5- ويقول الله تعالى في سورة (الزمر 39):

(وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)) .

فالسبب في هذه الظاهرة كفره بالله، إذ جعل لله أندادًا.

6- ويقول الله تعالى أيضًا في سورة (الزمر 39):

(فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)) .

فالظالم يرجع إلى الله فيدعوه إذا مسه الضر، فإذا استجاب الله له فخوله نعمة منه، ضمن نظام الأسباب والمسببات، تنكر لفضل الله عليه، فجحد نعمة الله، وقال: إن ما أصبت من نعمة إنما كان بمهارتي وعلمي ومعرفتي بما يجلب الخير، ويدفع الشر.

ولكن الله تعالى امتحنه (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) والامتحان كان بجعل مقاديره سبحانه عن طريق الأسباب، لكن المؤمن بالله لا تضلله الأسباب عن الحقيقة، بل يؤمن بأن الله هو الفعال الحقيقي من وراء الأسباب، فهو مسبب الأسباب والمهيمن على كل شيء.

7- ويقول الله تعالى في سورة (فصلت 41):

(لاَ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)) .

فأبرز هذا النص أن الإنسان كثير الدعاء في طلب الخير لنفسه، فهو لا يسأم منه، فإذا مسه الشر فهو يؤوس قنوط.

فإذا جاءته النعمة وذاق لذاتها قال: هذا راجع إلى علمي وخبرتي ومهارتي وحسن عملي في اتخاذ الوسائل والأسباب. ثم أنكر يوم الجزاء، وقال: لئن كانت الرجعة إلى الله صحيحة فسيكون لي عنده للحسنى، وهي الجنة، فهو إما مكذب مستهزئ، وإما جاهل بغاية الخلق، منكرٌ أن الدنيا دار الابتلاء، وأن الآخرة دار الجزاء الأوفى.

8- ويقول الله تعالى في سورة (الشورى 42):

(وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)) .

ففي حالة النعمة يفرح بها، وإن أصابته سيئة تضجر، وتطاول على ربه، واتهم حكمة الله وكان كفورًا.

9- ويقول الله تعالى في سورة (الفجر 89):

(فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلاَّ .... (17)) .

فأبرز هذا النص أن الغاية من النعم والمصائب، وتوسعة الرزق وتضييقه الابتلاء، فلا هذه للإكرام، ولا هذه للإهانة.

10- ويقول الله تعالى في سورة (يونس 10):

(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُم مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)) .

فأبرز هذا النص أن الناس يلجأون إلى الله وقت الشدة، فإذا كشف الله عنهم ما أحاط بهم، ووجدوا أنفسهم آمنين، نقضوا عهودهم، ومكروا في آيات الله، وبغوا في الأرض.

11- ويقول الله تعالى في سورة (الروم 30):

(وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَّشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)) .

ما دلت عليه هذه النصوص:

هذه النصوص تتحدث عن مختلف أحوال الناس وأقسامهم، باستثناء الذين حماهم إيمانهم بالله واليوم الآخر، وعملوا الصالحات بدافع من إيمانهم، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، كما ذكرت سورة (العصر 103).

فالذي يبدو أن الناس على أقسام تجاه النعم والمصائب التي يبتليهم الله بها، ولهم في ذلك أحوال تتبع عقائدهم وأخلاقهم وصفاتهم النفسية، وقد جاءت جملة هذه النصوص لبيان مختلف هذه الأقسام وهذه الأحوال.

فالناس منهم مؤمن بالله كافر باليوم الآخر، ومنهم مؤمن بالله واليوم الآخر جاهل بحكمة الله في مقاديره، ومنهم مؤمنٌ كامل الإيمان، ومنهم كافر