موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في القلب(سابعا)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في القلب(سابعا)
201 0

الوصف

                                                               الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في القلب

                                                                             سابعا
                                              الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل الرابع: في القلب >>

سابعًا:
كل ما في القلوب وكل ما يصدر عنها معلوم لله تعالى، فالله بعلمه وقدرته أقرب إلى قلب الإنسان –الذي هو مصدر إرادته- من الإنسان نفسه، وهو سبحانه يحول بين الإنسان وقلبه: فلا يصدر توجيه إرادي عن قلب الإنسان إلا ويمر بحائل من قدرة الله، يأذن بنفاذه أو لا يأذن. ولا يستقر شيء في قلب الإنسان أو يصل إليه ما لم يمر بهذا الحائل من قدرة الله، يأذن بنفاذه أو لا يأذن. ولا يوجد أي شيء في القلب، من إيمان أو كفر، أو طهارة أو رجس، أو إرادة خير أو شر، أو أي متحركة أو ساكنة، أو أية عاطفة ميل أو نفور، أو غير ذلك؛ إلا يعلمه الله، فلا تخفى على الله خافية، فليتق الله من آمن به.

هذه حقائق دلت عليها نصوص قرآنية كثيرة، منها ما يلي:

(أ) قال الله تعالى في سورة (الأنفال 8):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24))

للمفسرين آراء مختلفة في المراد من كون الله يحول بين المرء وقلبه والذي أرى ترجيحه، أن المراد –والله أعلم- حيلولة العلم والقدرة والإرادة، فما يكون في القلب من شيء، وما يجري فيه من شيء، وما يدخل إليه شيء، وما يصدر عنه شيء، إلا ويعلمه الله. وأما ما يدخل إليه من مؤثرات، وما يصدر عنه من إرادات، فلا ينفذ إلا بإذن من إرادة الله وقدرته، وإذن الله يجري وفق سنته في عباده، ووفق حكمته في ابتلائهم، وحينما يكون في شيء من ذلك معارضة لقضائه وقدره العام فإن الله يحوله أو يمنعه عن النفوذ، ولا يأذن به. وهذا هو الذي يتفق مع حرية إرادة الإنسان والحكمة من ابتلائه في هذه الحياة الدنيا، ومع سلطان قضاء الله وقدره في كونه.

(ب) وقال الله تعالى في سورة (الأحزاب 33):

(وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)) .

جاء هذا تعقيبًا على موضوع تخيير الرسول في أن يؤخر من يشاء من نسائه، ويؤوي إليه من يشاء منهن، وما في القلوب في هذا الموضوع عواطف تتحرك، ولكن النص يشملها ويشمل غيرها من كل ما يجري في القلوب، أو يستقر فيها، أو يصدر عنها، أو يدخل إليها.

(ج) وفي سياق الكلام على المنافقين قال الله تعالى في سورة (النساء 4):

(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63)) .

(د) وقال أيضًا في سورة (التوبة 9):

(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64)) .

(هـ) وفي شأن أهل بيعة الرضوان قال الله تعالى في سورة (الفتح 48):

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)) .

ثامنًا: قسم الرسول صلى الله عليه وسلم قلوب الناس إلى أربعة أقسام:

1- قلب المؤمن، ووصفه الرسول بأنه أجرد، أي ليس عليه حجاب يحجبه عن الهدى والخير ووصفه بأن فيه سراجًا ذا إنارة.

2- وقلب الكافر، ووصفه الرسول بأنه أغلف، أي عليه غلاف يحجبه.

3- وقلب المنافق، ووصفه الرسول بأنه منكوس، أي مقلوب على وجهه لأنه عرف ثم أنكر، رجع إلى الكفر بعد الإيمان.

4- وقلب فيه إيمان ونفاق، ووصفه الرسول بأنه مصفح، أي مائل على حرفه، فله صفحتان، وله وجهان، كالإناء الذي ينصب على حرفه، فلا هو منكوس ولا هو على وضعه السوي. والمصفح لغة ما له وجهان، ويقال: ضربه بالسيف مصفحًا، أي ضربه بعرض السيف لا بحده.

أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري –بإسناد جيد كما قال ابن كثير- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر. وقلب أغلف مربوط على غلافه. وقلب منكوس. وقلب مصفح.

فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نور.

وأما القلب الأغلف فقلب الكافر.

وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر.

وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها الدم والقيح، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه.

المُدة: بضم الميم ما يستمد منه. والمِدة: بكسر الميم ما يجتمع في الجرح من القيح.

والظاهر أن الأوصاف التي وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بها هذه القلوب الأربعة أوصاف تشبيهية، فحالة كل قلب منها تشبه الصفة التي وصفه بها: أجرد، أو أغلف، أو منكوسًا، أو مصفحًا.