موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في القلب(سادسا)
الوصف
الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في القلب
سادسا
الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل الرابع: في القلب >>
سادسًا:
وحين يصل القلب إلى مستوى القسوة التامة، ويفقد الإحساس بالخير، وتغلب الذنوب والآثام ورغبات الفجور والعدوان عليه، أو يتمرد بالكبر والعجب، يكون أمام آيات الله ودلائل الحق أعمى، وبالنسبة إلى دعوات الحق والهداية والإرشاد إلى الخير أصم، وإذ فقد هذا الإحساس فهو بمثابة الميت المقبور الذي لا يعقل.
ولذلك قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سورة (يونس 10):
(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لاَ يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لاَ يُبْصِرُونَ (43)) .
وعلى طريقة الاستفهام أيضًا قال الله لرسوله في سورة (الزخرف 43):
(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (40)) .
أي: فهم لا يسمعون دعوات الحق والهداية، ولا يرون دلائلهما، ولا طريقهما، إنهم في ضلال مبين.
ثم على طريقة الإخبار المؤكد لا على طريقة الاستفهام قال الله لرسوله في سورة (النمل 27):
(إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُّؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81)) .
وقال له أيضًا في سورة (الروم 30):
(فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (53)) .
أي فمن لم يبدأ من جهته بالإيمان بآيات الله فيدفعه إيمانه إلى الاستسلام لله ولما يأتي عنه، يظل قلبه ميتًا لا يحس بالخير، ويظل سمعه أصم لا يسمع دعوة الحق والهداية.
وقال الله لرسوله في سورة (فاطر 35):
(وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ (20) وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلاَ الأمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ (24)) .
فالأحياء الذين يسمعون الهداية ويستجيبون لها هم أحياء القلوب، والأموات الذين لا يسمعون الهداية ولا يستجيبون لها هم أموات القلوب، فقلوبهم مقبورة في أجسامهم، وما أنت بمسمع من في القبور.
والسبب في ذلك أن قلوبهم مغمورة بمتاع الحياة الدنيا وزينتها، فلا حركة لها إلا فيما هي فيه مغمورة مشغولة، وطبيعي أن تكون بذلك لاهية لا تعي ما يرد عليها من الخارج من مواعظ ومذكرات، قال الله تعالى في سورة (المؤمنون 23) في الذين اختلفوا في العقائد جاحدين ما جاء به الرسل:
(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)) .
الغمرة: هي ما يغمر قامة الإنسان من الماء أو غيره. فهؤلاء قلوبهم في غمرة تحجبهم عن الاستجابة للحق، والعمل بالخيرات التي يعملها المؤمنون، ولهم أعمال من غير أعمال المؤمنين تصرفهم وتمتص طاقاتهم هم لها عاملون.
وقال الله تعالى في سورة (الأنبياء 21):
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)) .
فهؤلاء الغافلون المعرضون اللاعبون لاهية قلوبهم عن سماع الذكر الذي يأتيهم من ربهم، بما هم فيه من استغراق في متاع الحياة الدنيا وزينتها.