موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في النفس((ز) والنفس الإنسانية ذات أطراف ثلاثة أعلى وأسفل وأوسط)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في النفس((ز) والنفس الإنسانية ذات أطراف ثلاثة أعلى وأسفل وأوسط)
159 0

الوصف

                                                              الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في النفس

                                                         (ز) والنفس الإنسانية ذات أطراف ثلاثة أعلى وأسفل وأوسط
                                    الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل الثاني: في النفس بوجه عام >>

(ز) والنفس الإنسانية ذات أطراف ثلاثة أعلى وأسفل وأوسط:

* فالطرف الأسفل
من النفس يوسوس ويسول بالسوء وممارسة ما فيه شر وضر وإثم، طلبًا للمتع واللذات العاجلة، فهو أمار بالسوء، دل على هذا الطرف الشيطاني من النفس ووساوسه وتسويلاته وكونه أمارًا بالسوء، عدة نصوص قرآنية، منها ما يلي:

1- قول الله تعالى في سورة (ق 50):

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)) .

2- وقول الله تعالى حكاية عن السامري في سورة (طه 20):

(قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)) .

3- وقول الله تعالى حكاية لقول يعقوب عليه السلام لبنيه في سورة (يوسف 12):

(وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)) .

4- والقاتل من ابني آدم لأخيه قد طوعت له نفسه بوساوسها وأوامرها الملحة قتل أخيه فقتله، قال الله تعالى في شأنه في سورة (المائدة 5):

(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)) .

5- وقال يوسف عليه السلام متحدثًا عن نفسه، حول قصته مع امرأة العزيز كما جاء في سورة (يوسف 12):

(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)) .

وقد قص الله علينا ذلك من غير تعليق فدل على إقراره.

* والطرف الأعلى
من النفس يأمر بفعل الخير، وينهى عن فعل الشر، فإذا استجابت له مراكز الإرادة المنفذة في الطرف الأوسط من النفس، اطمأن وسكن، وذاق حلاوة فعل الخير وترك الشر، وإذا لم تستجب له مراكز الإرادة المنفذة، مسه القلق والاضطراب، وشعر بوخزات الإثم، والخوف من العقاب، وبدأ يوجه الملام، فهو في هذه الحالة الطرف اللوام. وقد دل على هذا الطرف الرباني من النفس، عدة نصوص من القرآن والسنة، منها ما يلي:

1- قول الله تعالى في سورة (القيامة 75):

(لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)) .

فالنفس اللوامة هي التي توجه اللوم الداخلي على فعل الإثم، ولا تكون لوامة ما لم تكن من قبل ناصحة، آمرة بالخير ناهية عن الشر، وهذا الجانب من النفس هو ما قد يسمى بالضمير.

2- وقول الله تعالى في سورة (الفجر 89):

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) .

فالنفس المطمئنة هي التي توجه النصح لفعل الصالحات، وتأمر بالخير، وتنهى عن الشر، فتستجيب مراكز الإرادة لها، فتطمئن للنتيجة، ولا يمسها الخوف والقلق من سوء المصير، وظاهر أن هذا هو ما يسند إلى الضمير من الراحة لدى فعل الخير وترك الشر.

3- وهذا الجانب الرباني من النفس هو الذي يذوق طعم الإيمان، روى مسلم عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا.

4- وجاء في الحديث إثبات الواعظ الرباني الذي يعظ بالخير في قلب كل مسلم، وطبيعي أن هذا الواعظ يقع في هذا الطرف الأعلى من النفس.

* وأما الطرف الأوسط
فهو الطرف المنفذ الذي تقع فيه الإرادة الحرة، وهو طرف يتجاذبه الطرفان الأعلى والأسفل.

وإذ ثبت لدينا وجود الطرفين الأعلى والأدنى لزم منطقيًّا وجود الطرف التنفيذي الأوسط؛ لأن وظيفة الطرفين المتناقضين لا تتعدى الدعوة والطلب، ودل على هذا الطرف ما أثبت الإرادة الحرة المختارة للنفس، كقول الله تعالى في سورة (السجدة 32):

(وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ... (13)) .

وقد سبق بيان وجه الاستدلال به.

وقول الله تعالى في سورة (الكهف 18):

(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29)) .

والإنسان يملك باستجابته للطرف الرباني تزكية نفسه، ويملك باستجابته للطرف الشيطاني تدنيس نفسه وتدسيتها، والمفلح هو من زكاها، والخائب هو من دساها، قال الله تعالى في سورة (الشمس 91):

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)) .

زكاها: أي طهرها ورفعها عن مواطن الرجس ونماها.

دساها: أي غمسها بأرجاس الكفر والفسوق والعصيان.

والخلاصة:

إن الله تبارك وتعالى قد منح الإنسان الإرادة الحرة، ليضعه موضع الامتحان، وهذه الإرادة الواعية لديه واقعة بين دوافع علوية ودوافع سفلية.

فإذا استجابت إرادته لتلبية الدوافع السفلية فقد اختارت الشر بما لديها من حرية اختيار، وإذا استجابت لتلبية الدوافع العلوية فقد اختارت الخير بما لديها من حرية اختيار.

ودوافع الخير تعتمد على الإيمان بالغيب، وهو قضية فكرية ووجدانية، ودوافع الشر تعتمد على منطق الحس ولذات الجسد، وهذه حيوانية بهمية.

ولكن أكثر الناس تستجيب إراداتهم للجانب الحيواني فيهم، فينزلون بأنفسهم إلى أسفل سافلين، فيكونون كالأنعام بل أضل سبيلًا، وبذلك يقتلون في ذواتهم العنصر التكريمي الذي كرمهم الله به، وفضلهم به على كثير ممن خلق، وهو العنصر الفكري والوجداني الذي يدفعهم إلى الإيمان بالغيب، والارتقاء إلى الكمال الإنساني. وهذا مسخ يفعلونه في أنفسهم بإراداتهم إذ ينزلون بها إلى مستوى الأنعام أو أضل، والمسؤول عن ذلك إراداتهم الحرة.

فإرادات الناس الحرة الواعية للخير والشر هي مناط الامتحان، وأساس الفطرة الإنسانية أكثر ميلًا إلى الحق والخير والفضيلة، ولذات الجسد ليست كلها شرًا، بل المقدار النافع المنضبط منها هو من الخير لا من الشر، والشر منحصر فيما فيه ظلم أو عدوان أو ضرر أو تجاوز لحدود الله.

ومع ذلك فإننا نلاحظ أن أكثر الناس يستخدمون إراداتهم الحرة في اختيار المتاع الجسدي الذي ينزل بهم إلى أسفل سافلين، فيجعلون ما فضلهم الله به سببًا في انحطاطهم ونزول مكانتهم، إذ يسيئون الاختيار.