موسوعةالأخلاق الإسلامية-الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في النفس((ب) النفس هي التي تذوق الموت)
الوصف
الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية: في النفس
(ب) النفس هي التي تذوق الموت
الباب الثاني: الإنسان في دائرة الدلالات القرآنية >> الفصل الثاني: في النفس بوجه عام >>
(ب) النفس هي التي تذوق الموت:
إذا كان خلق النفس قد تضمن هبتها الحياة، فإن النفس هي التي تذوق الموت، وحياتها قبل الموت هي مدة ابتلائها، ثم تأتيها مدة الموت الطويلة، ثم بعد ذلك تدب فيها الحياة مرة ثانية لترجع إلى الله، ويجازيها على ما عملت في مدة امتحانها.
دل على هذه الحقائق قول الله تعالى في سورة (العنكبوت 29):
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)) .
وقول الله تعالى في سورة (الأنبياء 21):
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)) .
وقول الله تعالى في سورة (آل عمران 3):
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)) .
وكما كانت حياة النفوس متوقفة على خلق الله، فموت أي نفس لا يكون إلا بإذن الله، قال الله تعالى في سورة (آل عمران 3):
(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ... (145) ).
وأجل كل نفس مقرر بقضاء الله وقدره، ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها، فآجال النفوس لا تأخير فيها، قال الله تعالى في سورة (المنافقون 63):
(وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)) .
فمدة امتحان كل نفس محددة بالقضاء والقدر، وفق علم الله وحكمته، لا تأخير فيها ولا تقديم، وعلى هذا فموت النفس بالقتل خاضع للإذن الرباني القدري الذي دلت عليه الآية السابقة (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ) لكن القتل نفسه قد يكون حرامًا وإثمًا كبيرًا، وقد يكون مأذونًا به شرعًا. ولما كانت عملية القتل غايتها موت النفس، جاءت النصوص القرآنية مبينة أن قتل الإنسان الحي هو قتل لنفسه، قال الله تعالى في سورة (الأنعام 6):
(وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ .... (151)) .
وبيان أن القتل يقع على نفس المقتول كثير في القرآن الكريم.
الموت والنوم:
وللأنفس آجال أخيرة تتوفاها، فإذا توفتها قبضها الله إليه قبضًا كليًّا، فكان ذلك موتها.
وللأنفس في الحياة المدركة ذات الشعور الظاهر آجال متقطعة، كلما توفت أجل قطعة منها قبضها الله إليه قبضًا جزئيًّا تفقد به الشعور الظاهر، الذي هو شرط لتوجه المسؤولية، ولكن لا تفقد به الحياة كلها، فكان بذلك النوم، وعند اليقظة يرسل الله من النفس ما قبض منها عند اللزوم.
فبين الموت والنوم للأنفس فرق القبض الكلي لها والقبض الجزئي، ولكن حالة فقد الشعور بالنوم تشبه حالة فقد الشعور بالموت، وتوقف مدة الامتحان بالنوم تشبه انتهاء مدة الامتحان بالموت. قال الله تعالى في سورة (الرحمن 39):
(اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)).