موسوعةالأخلاق الإسلامية-وسائل اكتساب الأخلاق(رابعًا- الضغط الاجتماعي من قبل المجتمع الإسلامي)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-وسائل اكتساب الأخلاق(رابعًا- الضغط الاجتماعي من قبل المجتمع الإسلامي)
251 0

الوصف

                                                               وسائل اكتساب الأخلاق

                                                              رابعًا- الضغط الاجتماعي من قبل المجتمع الإسلامي
                            الباب الأول: مقدمات وأسس عامة >> الفصل الخامس: اكتساب الأخلاق ووسائله >> 6- وسائل اكتساب الأخلاق

رابعًا- الضغط الاجتماعي من قبل المجتمع الإسلامي:

ضمن مجموعة الوسائل التي اعتمد عليها الإسلام في تقويم الأفراد وإصلاحهم، وإلزامهم بكمال السلوك وفضائل الأخلاق، اعتمد على المجتمع الإسلامي السوي، وذلك لما للمجتمع من سلطة معنوية فعالة ومؤثرة على نفوس الأفراد.

وترجع هذه السلطة المعنوية إلى أن الفرد جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، وله من مجتمعه مصالح كثيرة مادية ونفسية.

وبما أن الإنسان كائن اجتماعي، ولا يستطيع أن يعيش عيشًا سويًّا سليمًا إلا ضمن مجتمع من الناس، كان ارتباطه بالمجتمع نابعًا من حاجته إليه، والحاجة لشيء ذي إرادة تجعل لهذا الشيء سلطانًا على من كان بحاجة إليه، إذ هو لا يحقق هذه الحاجة من نفسه ما لم يكن راضيًا، عندئذٍ يسعى ذو الحاجة إلى تحقيق رضاه حتى ينال منه حاجته.

ومن الحاجات النفسية المرتبطة بالمجتمع حاجة الإنسان إلى التقدير، ولذلك يكدح كثير من الكادحين ليظفروا بتقدير الناس لهم وثنائهم عليهم، ويمنع كثير من الناس أنفسهم من شهوات ملحة، وأهواء يتطلعون إليها، مخافة أن ينظر الناس إليهم بازدراء واحتقار، أو مخافة أن يعاقبوهم بالهجر والقطيعة، أو التلويم والتثريب والمذمة، وما ذلك إلا من شعور الفرد بحاجته إلى التقدير، وبحاجته إلى المحافظة على كرامة نفسه بين الناس، وهذا هو الذي يجعل للمجتمع سلطانًا على أفراده.

يضاف إلى ذلك أسباب التأثير الجماعي على الفرد، وهي الأسباب المبينة في الوسيلة الثالثة، وسيلة "الغمس في البيئات الصالحة".

وإذا اتخذ الإسلام -ضمن وسائله لإلزام الأفراد بالمنهج الأخلاقي الذي رسمه للناس- وسيلة الضغط الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع الإسلامي، فقد عمل بالتربية الفردية النبوية وبالتربية الجماعية على تكوين المجتمع الإسلامي الأول، ثم جعل من هذا المجتمع رقيبًا على أفراده، وحارسًا ساهرًا، ومحاسبًا عادلًا، ومعاقبًا بأنواع شتى من أنواع العقاب المعنوي، ومؤنبًا، وناصحًا، وآمرًا بالمعروف، وناهيًا عن المنكر.

فمن شأن هذا المجتمع أن يملي على من ينشأ فيه، أو ينخرط فيه، فضائل الأخلاق، ومحاسن السلوك، بصفة عملية فعالة قاسرة.

وقد ملأ الإسلام المجتمع الإسلامي بالمناسبات المتكررة الدورية، التي يجتمع فيها المسلمون على سلوك واحد، الأمر الذي من شأنه أن يملي على الأفراد وقائع السلوك الكريم، ويدربهم على كل فضيلة نفسية وعملية، ويشجع السابقين المتنافسين في الخيرات على تنمية أمثلة الكمال الخلقي في المجتمع.

والمجتمع الإسلامي السوي يلاحق الفرد إلى أصغر الدوائر الاجتماعية التي يعيش فيها، مبتدئًا من أكبر المؤسسات الاجتماعية النظامية وغير النظامية، ومنتهيًا بمجتمع لا يلتقي فيه إلا اثنان، زوجان، أو أخوان، أو شريكان، أو والد وولده، أو صاحب وصاحبه، إذ يجد الفرد من كل هذه الدوائر الاجتماعية الإسلامية ما يكون عليه رقيبًا، وله محاسبًا، ومؤنبًا، وناصحًا، وآمرًا بالمعروف، وناهيًا عن المنكر، ومعاقبًا بالهجر والمقاطعة إذا لزم الأمر.

ومن أجل ذلك وضع الإسلام المجتمع الإسلامي تحت مسؤوليته هذه، لئلا يشذ الأفراد فيه عن المنهج الإسلامي القويم:

ومن النصوص المبينة لهذه المسؤولية ما رواه أبو داود والترمذي –وقال: حديث حسن- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال:

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(81)). سورة المائدة- 5.  

ثم قال:

كلا والله، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، ولتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم.

ومن النصوص أيضًا ما رواه البخاري عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا!! فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا.

وقد أوضح الرسول صلوات الله عليه كيف تربي الجماعة الأفراد بعقاب الهجر والمقاطعة لله، في قصة الثلاثة المخلفين، الذين تخلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دون عذر، وقد وردت قصة هؤلاء الثلاثة مفصلة في أحاديث صحيحة، وجاءت مجملة في القرآن الكريم.