موسوعةالأخلاق الإسلامية-وسائل اكتساب الأخلاق(ثانيًا- الغمس في البيئات الصالحة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-وسائل اكتساب الأخلاق(ثانيًا- الغمس في البيئات الصالحة)
735 0

الوصف

                                                               وسائل اكتساب الأخلاق

                                                              ثانيًا- الغمس في البيئات الصالحة
                       الباب الأول: مقدمات وأسس عامة >> الفصل الخامس: اكتساب الأخلاق ووسائله >> 6- وسائل اكتساب الأخلاق

ثانيًا- الغمس في البيئات الصالحة:

ومن وسائل اكتساب الأخلاق الفاضلة الغمس في البيئات الصالحة، وذلك لأن من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة التي ينغمس فيها ويتعايش معها، ما لديها من أخلاق وعادات وتقاليد وأنواع سلوك، عن طريق السراية والمحاكاة والتقليد، وبذلك تتم العدوى النافعة أو الضارة، وفي الحكم السائرة: إن الطبع للطبع يسرق.

فالانغماس في الجماعة، من شأنه أن ينقل من الجماعة إلى الفرد ما تتسم به الجماعة من أخلاق، عن طريق السراية والعدوى، التي تبدأ بالمحاكاة والتقليد والرغبة بالاندماج والموافقة وعدم المخالفة والشذوذ.

وحينما ينخرط الفرد في سلك جماعة من الجماعات يجد أنه مدفوع بقوة ضاغطة لالتزام طريقتها، ثم بتعاطفه معها يستحسن الأشياء التي يراها مستحسنة لديها وآخذة بها، ويستقبح الأشياء التي يراها مستقبحة لديها ونافرة منها، وبذلك يكتسب الفرد من دون أن يشعر أخلاق الجماعة التي ينتسب إليها، وينخرط فيها.

يضاف إلى ذلك أن الدافع الجماعي الموجود في الفرد الإنساني، يجعله إذا نخرط في سلك بيئة جماعية ضمن آلة متحركة تقسره قسرًا ذاتيًّا على أن يستحسن ما تستحسنه، ويستقبح ما تستقبحه، وعلى أن يتقبل التدريبات العملية التي تمارسها الجماعة، وبذلك يكتسب الفرد طائفة كبيرة من الأخلاق التي تتخلق بها الجماعة. ويضاف إلى ذلك عامل التكرار بمرور الزمن، الذي تغدو به المكررات عادات متمكنة في الفرد، وذات جذور عميقة في قرارة نفسه.

فإذا وضعنا جبانًا في بيئة شجعان، استطاع أن يكتسب منهم قسطًا حسنًا من الشجاعة، وبذلك تخف نسبة الجبن لديه.

وإذا وضعنا بخيلًا بين كرماء مدة طويلة من الزمن، فإنه لا بد أن يتأثر بهم، فتخف عنده نسبة البخل الفطرية لديه.

وإذا وضعنا إنسانًا في بيئة أمناء، اكتسب منهم خلق الأمانة، أو في بيئة صادقين، اكتسب منهم خلق الصدق، أو في بيئة عفة وشرف اكتسب ذلك منها.

وهكذا فالإنسان الذي يجد نفسه في بيئة لهجتها الصدق، وخلقها الأمانة، وسلوكها الوفاء بالعهد والصدق في الوعد، يصعب عليه جدًّا أن يخرج على هذا الأسلوب من السلوك في الحياة، وإن كانت نفسه نزاعة بالأصل إلى غير ذلك. ثم إذا طال عليه العهد وهو ملتزم بما تمليه عليه البيئة، وجد هذه الصفات الكريمة ذات جذور متغلغلة في نفسه، وصار يحس بنفرة شديدة من أضدادها، فلو حلا لنفسه أن يكذب لم يطاوعه خلقه المكتسب على ذلك، ولو بدا له أن يخون تلجلج واضطرب، وفر من نزعات نفسه وشيطانه، وابتعد عن طريق الخيانة. ولو اتجه هواه إلى نقض العهد وعدم الوفاء بالوعد لألجمته عن ذلك أخلاقه المكتسبة. وهكذا في كل ما يكتسبه الفرد بالتخلق، عن طريق البيئة الصالحة التي تلفه في دوامتها.

هذا بخلاف البيئات المنحرفة فإنها تؤدي هذا الدور نفسه، ولكن في اتجاه معاكس تمامًا، إذ تعمل على تدريب من ينخرط فيها على كل رذيلة من الرذائل التي هي مدنسة بها، وعلى كل قبيحة من القبائح المنتشرة بين أفرادها، كما تكون بؤرة ملائمة لتزايد الرذائل والقبائح، حتى تفسد المفاهيم العامة، فتمسي مآثر الأفراد فيها ما أصابوه من جرائم وسيئات وانحرافات في السلوك.

ويستغل المفسدون في الأرض هذه الوسيلة لإفساد أخلاق الناس، وإخراجهم عن طريق الحق والخير والفضيلة، الذي هو طريق الإسلام.

لذلك كان من واجبات التربية النافعة التوجيه أو الإلزام بمصاحبة الأخيار والبعد عن مصاحبة الأشرار.

ويمكن تلخيص التأثير الجماعي على الفرد بالعناصر التالية:

1- السراية التي تفعل فعلها العميق في كيان الإنسان، وهي من خصائص الاجتماع، وكلما كبر المجتمع كان تأثيره على الفرد الذي ينخرط فيه أكثر.

2- القوة المعنوية الجماعية، التي يخشى الأفراد عقوباتها المادية والمعنوية. ويرجون مثوباتها المادية والمعنوية.

3- جاذبية الجماعة لعنصر التقليد والمحاكاة الذي يوجد عند الأفراد.

4- عنصر المنافسة، وهو من خصائص الجماعة.

5- رغبة الأفراد بتقدير الآخرين ومحبتهم له وهذا الدافع لا يتحرك إلا في وسط الجماعة، فاستغلاله من خصائص الجماعة.

هذا وقوة الجماعة الخيرة يوجد نظيرها في الجماعة الشريرة الخبيثة، يضاف إليها ميل النفس بفطرتها إلى الأهواء والشهوات التي ترافق رذائل الأخلاق وقبائح الأفعال، لا سيما إذا كان مخالط الأشرار غرًا صغيرًا غير مضرس في الحياة، وسلطان الغرائز والأهواء فيه أقوى من سلطان العقل والوجدان والضمير.

ومن المتعذر جدًّا إصلاح إنسان منحرف الخلق فاسد السلوك، ما لم يعزل عزلًا كاملًا عن الأشرار، وما لم يقطع عن مصاحبتهم؛ لأن صلته واختلاطه فيهم من أقوى العوامل التي تفسد كل علاج إصلاحي يعالج به، فوجوده بينهم يذكره دائمًا بطعم ما كان يمارسه من لذات وشهوات معهم، فيكون صارفًا له عن تقبل أنواع العلاج.