موسوعةالأخلاق الإسلامية-الأسس التربوية العامة لتقويم أخلاق الناس(الأساس الثاني- معاملة كل نموذج طبعي بما يناسبه ويلائمه من وسائل التربية)

الوصف
الأسس التربوية العامة لتقويم أخلاق الناس
الأساس الثاني- معاملة كل نموذج طبعي بما يناسبه ويلائمه من وسائل التربية
الباب الأول: مقدمات وأسس عامة >> الفصل الخامس: اكتساب الأخلاق ووسائله >> 5- الأسس التربوية العامة لتقويم أخلاق الناس
الأساس الثاني- معاملة كل نموذج طبعي بما يناسبه ويلائمه من وسائل التربية، ومعاملة كل حالة نفسية بما يلائمها:
فمن الخطأ الفادح في التربية معاملة مختلف الناس بطريقة تربوية واحدة، مع اختلاف نماذجهم الطبعية.
إن حاد المزاج الغضوب في تكوينه الفطري يلائمه من الوسائل التربوية ما لا يلائم بارد الطبع بليد الإحساس، وكذلك العكس. والأسلوب الذي قد يصلح بارد الطبع قد يفسد حاد المزاج، وكذلك الأسلوب الذي قد يصلح حاد المزاج قد يفسد بارد الطبع.
وصاحب الطمع الشديد قد يلائمه من وسائل التربية ما لا يلائم العفيف القنوع. وتختلف أحوال السرور عن أحوال الألم، وأحوال الغضب عن أحوال الرضا.
وعلى هذا الأساس من مراعاة الفروق الطبعية واختلاف الأحوال كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي بعض محبي الفخر شيئًا مما يرضي نفوسهم، بغية إصلاحهم، ويعطي بعض محبي المال شيئًا مما يرضي نفوسهم بغية إصلاحهم، ويعامل حديثي العهد بالكفر معاملة تختلف عن معاملة الذين رسخ الإيمان في قلوبهم.
فمن ذلك ما أعطاه أبا سفيان يوم فتح مكة، إذ قال له عمه العباس: إن أبا سفيان يحب هذا الفخر فاجعل له شيئًا، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا مما يرضيه به، فأمر مناديه أن يعلن: ألا من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، مع أن دار أبي سفيان لم يكن لها شيء من الخصوصية الحقيقية، إلا مجرد الإعلان بالاسم؛ لأن إعلان الأمن قد كان أيضًا لمن أغلق باب داره، ولمن دخل المسجد الحرام.
ومن ذلك ما رواه البخاري عن عمرو بن تغلب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمالٍ أو سبي فقسمه، فأعطى رجالًا وترك رجالًا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال:
أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل. والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب .
قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم.
فمن هذا الحديث نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الجزعين الهلعين مالًا أصلح به نفوسهم، وأعطى عمرو بن تغلب ثناءً كان أحب إليه من عطاء المال الكثير، فأصلح بذلك نفسه.
ومن ذلك أيضًا ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال: إن ناسًا من الأنصار قالوا حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق يعطي رجالًا من قريش المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشًا ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم! فحدث لرسول الله بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، ولم يدع معهم أحدًا غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ما حديثٌ بلغني عنكم؟
فقال فقهاؤهم: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشًا ويدع الأنصار، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله
.
قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا.
فداوى الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته التربوية العظيمة ناسًا بعطاء من المال، وآخرين بعطاءٍ من الحب.