موسوعةالأخلاق الإسلامية-المسؤولية عن السلوك الأخلاقي(الشيطان ومدى تأثيره في حياة الإنسان)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-المسؤولية عن السلوك الأخلاقي(الشيطان ومدى تأثيره في حياة الإنسان)
298 0

الوصف

                                                                  المسؤولية عن السلوك الأخلاقي

                                                              الشيطان ومدى تأثيره في حياة الإنسان
                                                     الباب الأول: مقدمات وأسس عامة >> الفصل الرابع >>

5- الشيطان ومدى تأثيره في حياة الإنسان

لا يعدو الشيطان في حياة الإنسان أنه مخلوق باستطاعته أن يوسوس في صدر الإنسان بالشر، ويزين له ارتكاب الخطيئة، ثم إن الإنسان هو الذي يرتكب الخطيئة بإرادته، ويعتبر مسؤولًا عنها مسؤولية تامة.

ففي المفاهيم الإسلامية عدة حقائق عن الشيطان تبين موقعه في حياة الإنسان، وأثره على إرادته، والحكمة الربانية من وجوده.

الحقيقة الأولى:

تتلخص بأن الشيطان ليس له سلطان على إرادة الإنسان، إلا من سلم قيادة نفسه له وتبعه مختارًا لنفسه طريق الغواية، ونجد الدليل على هذه الحقيقة في عدة نصوص قرآنية، منها قول الله تعالى يخاطب إبليس رأس الشياطين في سورة (الحجر 15):

(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) .

ومنها قول الله تعالى في سورة (الإسراء 17):

(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)) .

ومنها قول الله تعالى في سورة (النحل 16):

(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)) .

فمن الظاهر في هذه النصوص أن الله تبارك وتعالى لم يجعل للشيطان سلطانًا على الإنسان، وأن سلطانه لا يكون إلا على الذين يتولونه، ويجعلونه قائدًا لهم، ويتبعونه مختارين لأنفسهم طريق الغواية.

ومن أجل ذلك فإن الشيطان سيعلن هذه الحقيقة يوم القيامة للذين استجابوا لوساوسه في الدنيا، ويدل على ذلك قول الله تعالى في سورة (إبراهيم 14):

(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)) .

ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي: أي ما أنا بقادر على إغاثتكم وما أنتم بقادرين على إغاثتي، حينما يصرخ كل منا طالبًا من صاحبه أن يغيثه فيرفع عنه عذاب الله.

الحقيقة الثانية:

تتلخص بأن وظيفة الشيطان في حياة الإنسان إنما هي الوسوسة في صدره وليس له قدرة على أكثر من ذلك، ويشعر الإنسان بهذه الوسوسة في صورة خواطر تزين له الإثم والمعصية، وتزين له الانحراف عن سواء السبيل، وقد تصوغ له ذلك بحجج مغرية.

قال الله تعالى في سورة (الناس 114):

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)) .

وقال الله تعالى في سورة (محمد 47):

(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)) .

أي: غرهم بالأماني والآمال في وساوسه وتسويلاته، وهذا ما فعله مع آدم وحواء، إذ كانا في الجنة فوسوس لهما فأخرجهما من الجنة.

فكيد الشيطان في الإضلال كيد ضعيف، وبذلك وصفه الله بقوله في سورة (النساء 4):

(إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)) .

الحقيقة الثالثة:

تتلخص بأن الله تبارك وتعالى جعل الشيطان في حياة الإنسان لإقامة التوازن بين دوافع الخير ودوافع الشر والمحرضات عليهما، وليطرح الإنسان عليه قسمًا من مسؤولية الخطيئة التي يقع بها، فيجد لنفسه عذرًا بأن فعل الشر ليس من فطرته، وإنما كان بتأثير وساوس قرينه الشيطان الملازم له. وبهذا لا تظل صورة الخطيئة القبيحة ماثلة في نفس الإنسان، إذ يشعر بأن القبح في العمل ليس من شأنه. وهذا الشعور الذي يشعر به المخطئ قد يساعده على تقويم نفسه، مستعيذًا بالله من الشيطان، ساعيا في التخلص مما علق به من أدناس المعاصي، كما يساعده على نسيان خطيئته إذا هو استغفر الله وتاب إليه. فمن وسائل الإصلاح التربوي فتح باب العذر لمن نربيه إذا ارتكب الخطيئة، ولو عاقبناه عليها نظرًا إلى مسؤوليته، وذلك لنبقي له مجالًا يحتفظ فيه بصورة الكمال التي يحب أن يتصورها الناس فيه، ولنبقي له مجالًا للارتقاء في مراتب الكمال الإنساني.

العلاج الديني للتخلص من وساوس الشيطان:

وللتخلص من وساوس الشيطان وتسويلاته علاج ديني أرشدنا القرآن إليه، وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى في سورة (الأعراف 7):

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201)) .

فمتى استعاذ الإنسان بالله من الشيطان ونزغاته قويت بالله إرادته، وخنس الشيطان وخاب وخسئ، وحينما يقع الإنسان في الخطيئة ثم يستغفر الله فيغفر له، فإن الشيطان يصاب بالخزي والخيبة، وضياع الجهد في الإغواء.