موسوعة الأخلاق الإسلامية-الحكم الأخلاقي وأسسه وغاياته (شروط ترتب المسؤولية)

موسوعة الأخلاق الإسلامية-الحكم الأخلاقي وأسسه وغاياته (شروط ترتب المسؤولية)
376 0

الوصف

الحكم الأخلاقي وأسسه وغاياته
شروط ترتب المسؤولية

(أ) الشرط الأول:

وهو أن يكون صاحب العمل أهلًا لتحمل المسؤولية.

وقد حدد الشارع أهلية تحمل المسؤولية الدينية ذات العقاب الأخروي، بالعقل والبلوغ، أما فاقد العقل فلا مسؤولية عليه طبعًا، ولا اعتبار لأي عمل من أعماله، وأما غير البالغ فقد أعفاه الخالق من المسؤولية الأخروية في رأي جمهور الفقهاء وإن كان مميزًا، دون أن يحرمه من ثواب عمله الصالح، وذلك لتكون فترة ما قبل البلوغ فترة تربية وتعليم وإنضاج فكري ونفسي، وخفف مسؤوليته الدنيوية إلى مستوى المسؤولية التربوية التي يتولاها أولياؤه المربون له، فيؤدبونه بمختلف وسائل التأديب التي أذن بها الشارع، ومنها بعض أنواع العقاب المادي كالضرب والحرمان ونحوهما، ومنها بعض المؤاخذات الجزائية المالية، وتختلف وسائل التربية والتأديب باختلاف حال غير البالغ، مميزًا كان أو غير مميز، قارب سن البلوغ أو لم يقاربه.

وفي رفع المسؤولية عن المجنون وعمن كان دون البلوغ جاء في الحديث الصحيح:

رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ

.

وقد تعددت طرق هذا الحديث ما بين مرفوع وموقوف، دون أن يبلغ المرفوع منها درجة الصحة، وقال ابن حجر: وللمرفوع شاهد من حديث أبي إدريس الخولاني: أخبرني غير واحد من الصحابة –منهم شداد بن أوس، وثوبان- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

رفع القلم في الحد عن الصغير حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن المعتوه الهالك

.  انظر فتح الباري عند شرح الحديثين 6815 و6816، "باب لا يرجم المجنون والمجنونة".   وقد أخذ الفقهاء بمضمون هذا الحديث.

والمراد من رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ رفع قلم المؤاخذة عنه، أما قلم الثواب فلا يرتفع، وذلك فضل من الله ورحمة، فيكتب لمن هم دون البلوغ ثواب أعمالهم الصالحة، إذا فعلوها بإرادتهم على وجهها، ولذلك كلف الشارع أولياء الصغار بأن يأمروهم بالصلاة وفعل الخيرات، وينهوهم عن المعاصي والآثام.

روى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع

.

وقال الله تعالى في سورة (النور 24):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ... (58)

(ب) الشرط الثاني:

وهو أن يكون العمل عملًا إراديًّا.

أي: صادرًا عن إرادة صاحب العمل، ومتى اختل هذا الشرط سقطت المسؤولية. وبناء على ذلك فإن الأعمال التي لا تكون إرادة الإنسان الحرة ذات وساطة ما في وجودها، لا يكون الإنسان مسؤولًا عنها، كالرعشات، وكحركة النائم، وكتصرفات المجنون الذي فقد إرادته العاقلة، وكالملجأ إلى الأمر إلجاءً، مثل المقذوف مكرهًا يقع على إنسان فيقتله، أو على شيء فيتلفه. فالأعمال الصادرة في هذه الحالات وأمثالها أعمال لا مسؤولية فيها على من صدرت عنه؛ لأنها في الحقيقة حاصلة فيه لا حاصلة منه، ثم كان لها آثار في غيره دون أن يكون لإرادته تسبب فيها.

والعمل الإرادي ينقسم إلى قسمين:

1- قسم إيجابي.

2- قسم سلبي.

فالقسم الإيجابي هو ما يصدر به عن الإنسان عمل ظاهر، كإنفاق في الخير، وجهاد في سبيل الله، ومعونة بطاقة جسدية، وشفاعة حسنة، وتعليم الجاهلين ما ينفعهم في دينهم، وما ينفعهم في دنياهم من غير شر، ونحو ذلك.

والقسم السلبي هو ما يتعمد فيه الإنسان ترك العمل مع قدرته عليه، ولذلك يثاب الإنسان على ترك المحرمات، إذا تركها بإرادته ناويًا طاعة الله في ذلك، مع أنه لم يفعل شيئًا ظاهرًا، إنما فعل فعلًا سلبيًّا، ويعاقب على ترك الواجبات؛ لأن هذا الترك عمل سلبي تجاه أمر واجب التنفيذ.

وبناءً على ذلك فمن رأى إنسانًا غافلًا يمشي إلى هاوية فلم ينبهه، ولم يعمل أي شيء يرده عن السقوط، مع قدرته على ذلك، وتركه حتى سقط، فإنه يعتبر في مفاهيم الشرع جانيًا، ومسؤولًا عن عمله السلبي الذي عمله، ويعاقب عند الله على ذلك.

ولذلك كان الساكت عن الحق في نظر الشرع شيطانًا أخرس؛ لأنه كتم ما يجب عليه بيانه.

وقال الله تعالى في شأن من يكتم الشهادة في سورة (البقرة 2):

(ولاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) .

فجعل كتم الشهادة من قبيل العمل الذي تأثم به القلوب، مع أنه سلوك سلبي تجاه عمل كان يجب عليه أن يقوم به.

والمسؤولية عن الأعمال السلبية ملاحظ فيها أن الإرادة الإنسانية ذات وساطة ما في وجودها، فمن استطاع أن يكف شرًا فلم يفعل فإن لإرادته وساطة ما في وقوع الشر.