موسوعة الأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة (الحكم الأخلاقي وأسسه)

موسوعة الأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة (الحكم الأخلاقي وأسسه)
338 0

الوصف

مقدمات وأسس عامة 

الحكم الأخلاقي وأسسه

يظهر لنا بالتأمل أن الحكم الأخلاقي على اختلاف درجاته –إلزامًا أو ترغيبًا- وعلى اختلاف نوعه –فعلًا أو تركًا- يستند إلى ما في العمل من حق أو باطل، أو ما فيه من خير أو شر، أو ما فيه من جمال أو قبح.

على أنه لا يلزم أن يكون كل حق أو خير أو جمال مستندًا وأساسًا لفضيلة خلقية، ولا يلزم أن يكون كل باطل أو شر أو قبح مستندًا وأساسًا لرذيلة خلقية.

لكن الفضيلة الخلقية لا بد أن يكون لها مستند من الحق أو الخير أو الجمال، والرذيلة الخلقية لا بد أن يكون لها مستند من الباطل أو الشر أو القبح.

فهذه الأسس أمور عامة، يكون منها مستندات للأحكام الأخلاقية، ويكون منها مستندات للأحكام الأخرى.

أمثلة:

(أ) إقامة العدل، سلوك أخلاقي كريم، أساسه التزام جانب الحق، وهو من الخير، وهو مظهر لفضيلة خلقية.

(ب) الإحسان، أداء اختياري فوق الواجب، وهو من الخير، وهو مظهر لفضيلة خلقية.

(ج) أداء الواجب، سلوك أخلاقي كريم، أساسه إعطاء كل ذي حق حقه، وهو من الخير؛ لأن فيه مقاومة هوى النفس، التي قد تميل إلى هضم حقوق الآخرين، وهو مظهر لفضيلة خلقية.

(د) التطهر وتنظيف الجسد والثوب والمكان من الأنجاس والأدناس والقذارات، سلوك أخلاقي كريم، أساسه مراعاة ما يوجبه الجمال، وهو من الخير، وهو مظهر لفضيلة خلقية.

(هـ) الجور، سلوك أخلاقي ذميم، أساسه تجاوز حدود الحق، وهو من الشر، وهو مظهر لرذيلة خلقية.

(و) الشح، سلوك أخلاقي ذميم، أساسه عدم بذل ما يوجب الحق بذله، وهو من الشر، وهو مظهر لرذيلة خلقية.

(ز) فعل ما هو مستقبح مستهجن عند الناس، من غير أن تدعو الضرورة إليه، سلوك أخلاقي ذميم، أساسه عدم مراعاة ما يوجبه الجمال، وهو من الشر، وهو مظهر لرذيلة خلقية.

وهكذا إلى غير ذلك من أمثلة كثيرة.

وقد نلاحظ حقًّا وخيرًا وجمالًا، دون أن تكون هذه أسسًا لفضائل خلقية.

فمطالبة صاحب الحق بحقه سلوك إنساني لا يعتبر فضيلة ولا رذيلة خلقية من حيث ذاته، ولكن قد يعتبر فضيلة خلقية إذا كان باستطاعته أن يطالب بأكثر من حقه فلم يفعل، التزامًا بجانب الحق، أو كان الدافع إليه رغبة بأداء حق عليه لا يملك وفاءه إلا عن طريق استيفاء الحق الذي له، ونحو ذلك.

واستمتاع الإنسان بما يشتهي من مباح، دون أن يلاحظ تقيده بالمباح وبعده عما يشتهي من محرم، ودون أن يلاحظ غرضًا حسنًا تدعو إليه فضائل الأخلاق، ويمكن تحصيله عن طريق الاستمتاع بالمباح، سلوك إنساني لا يعتبر فضيلة ولا رذيلة خلقية، بل هو سلوك محايد، مع أن صاحب هذا السلوك لم يتجاوز حدود الحق.

لكنه قد يكون سلوكًا أخلاقيًّا إذا استطاع صاحبه أن يجعل غرضه منه أمرًا تدعو إليه فضائل الأخلاق، أو إذا استطاع أن يلاحظ به في أدنى الحدود إعفاف نفسه وكفها عن محارم الله ورذائل الأخلاق.

وتزيين الإنسان بناءه أو أثاثه بأنواع الزينات الجميلة، سلوك إنساني دافعه حب الجمال والرغبة بالاستمتاع به، وهو ما دام في حدود المباح الذي لا شر فيه لا يعتبر فضيلة ولا رذيلة خلقية، بل هو سلوك محايد، مع أن الأساس الدافع إليه هو الجمال وحب الاستمتاع به.

وهكذا نجد أمثلة كثيرة أساسها الحق والخير والجمال، دون أن تكون داخلة في ميدان الأخلاق، فضائلها أو رذائلها.