موسوعة الأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة ( تقسيم السلوك الخلقي إلى بسيط ومركب )
الوصف
مقدمات وأسس عامة
تقسيم السلوك الخلقي إلى بسيط ومركب
حين يكون الدافع إلى السلوك الإنساني دافعًا واحدًا فإن السلوك حينئذ سلوك بسيط، أما حين يكون السلوك ثمرة عدة دوافع فهو سلوك مركب.
ويظهر لنا في المثال التالي الفرق بين السلوك البسيط والسلوك المركب:
إنسان شديد الجوع، يسير في فلاة، فتبعه أسد يريد افتراسه، ففر منه، فوجد شجرة، فتسلقها، فنجا. إن من الواضح في هذا السلوك أنه مظهر من مظاهر الخوف، فالدافع إليه الخوف من الأسد، فهو سلوك بسيط.
أما لو وجد شجرتين إحداهما غير مثمرة، والأخرى مثمرة، فاختار أن يتسلق الشجرة المثمرة، لينجو من الأسد، وليأكل من ثمرها، فيسد جوعه. فسلوكه حينئذ مدفوع بدافعين هما الخوف والجوع، فهو حينئذ سلوك مركب من حركتين نفسيتين.
فلو أنه لاحظ في الشجرة المثمرة سوارًا من ذهب معلقًا فيها، فطمع أيضًا بالحصول عليه، فسلوكه حينئذ مدفوع بثلاثة دوافع، هي الخوف والجوع والطمع، فهو سلوك مركب من ثلاث حركات نفسية.
ونجد نظير ذلك في السلوك الخلقي، وقد يكون من القليل النادر العثور على سلوك خلقي بسيط، إذ الغالب في حال الإنسان أن يكون سلوكه الخلقي سلوكًا مركبًا.
ونقول على سبيل المثال: إن عطف الأم على ولدها يرجع إلى خلق الرحمة، ومساعدة إنسان لآخر ذي ضرورة يرجع إلى خلق الرحمة، وتحمل الإنسان آلام مصيبة من المصائب يرجع إلى خلق الصبر، وإكرام الضيف بسخاء ظاهرة محمودة ترجع إلى خلق الجود. فإذا لم يكن لهؤلاء أية دوافع أخرى، فسلوكهم الخلقي هذا من نوع السلوك الخلقي البسيط.
ونأخذ العفو مثلًا بوصفه ظاهرة خلقية، فنلاحظ أنه قد يرجع إلى أكثر من أساس خلقي: فإذا كان عفوًا عن حق مالي استطعنا أن نرجعه إلى أساسين خلقيين هما الجود والرحمة، وإذا كان عفوًا عن إساءة أو مظلمة، استطعنا أن نرجعه إلى أساسي الرحمة والصبر، فهو سلوك خلقي مركب.
ونأخذ الشجاعة بوصفها ظاهرة خلقية، فنلاحظ أنها قد ترجع أيضًا إلى أكثر من أساس خلقي: فإذا كانت شجاعة أدبية استطعنا أن نرجعها إلى مجموعة من الأسس الخلقية الدافعة لها، هي: الصبر، وحب الحق، وعلو الهمة، وقوة الإرادة، وإذا كانت شجاعة مادية، استطعنا أن نرجعها إلى الصبر، وحب العطاء، وعلو الهمة، وقوة الإرادة، فهي سلوك خلقي مركب.
وقد تختلف أسس الظاهرة الخلقية من شخص لآخر في نوعها وفي مقدارها.
وحينما يكون السلوك الخلقي مدفوعًا بدافع ابتغاء مرضاة الله تعالى فقط، فهو سلوك خلقي بسيط، وحينما يكون مدفوعًا به وبالدافع الخلقي في نفسه، فهو سلوك خلقي مركب.
فمن الملاحظ أن الإنسان قد يفعل الفضيلة الخلقية ابتغاء مرضاة الله، ولو لم يشعر بالدافع الخلقي الخاص بها في نفسه، وقد يفعل الفضيلة الخلقية وهو يشعر بالدافع الخلقي الخاص بها في نفسه، وبابتغاء مرضاة الله منها مع ذلك. وهنا نرى أن صاحب الخلق النفسي الرفيع يكون أعلى مقامًا إذا استطاع أن يلاحظ من عمله ابتغاء مرضاة الله تعالى؛ لأنه يتحلى بالكمال الخلقي النفسي من جهة، وبارتقاء درجة الإيمان من جهة أخرى، والإيمان الصادق ثمرة من ثمرات عدة فضائل خلقية.
قد لا تكون الظاهرة الخلقية نابعة من أساس خلقي:
ولكن لا بد أن نلاحظ أن الظاهرة الخلقية قد لا تكون نابعة من أساس خلقي، فكثير من الناس لا تعبر ظواهر سلوكهم عما في نفوسهم.
وفي هذه الحالة تكون الظاهرة السلوكية غير صادقة الدلالة على ما تنطوي عليه النفس، فهي إما من باب النفاق، أو من باب الرياء، أو من باب المجاملة والمداراة، أو من باب التجارة المادية أو المعنوية لتحقيق مغنم من المغانم، أو غير ذلك.
وكثيرًا ما تكون الظاهرة الخلقية غير نابعة من مظانها الخلقية: فالعطاء مثلًا قد يكون بدافع الطمع بمغنم أكبر، أو بدافع الحذر، لا بدافع الجود، ولا بدافع الرحمة. والثبات مثلًا قد لا يكون بدافع الصبر، وإنما بدافع العجز عن الهرب. والزهد قد لا يكون بدافع القناعة والعفة، وإنما يكون بدافع العجز عن المطمع، أو يكون تظاهرًا للوصول إلى مطمع أكبر، فالزهد أو التزهد المصطنع في مثل هذا وسيلة للصيد، والصياد المتزهد هنا يترقب عن طريق التزهد الصيد الأثمن.