موسوعة الأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة ( تقسيم الأخلاق باعتبار علاقاتها )
الوصف
مقدمات وأسس عامة
تقسيم الأخلاق باعتبار علاقاتها
لدى تصنيف مفردات الأخلاق باعتبار علاقاتها نلاحظ أنها تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول:
ما يتعلق بوجوه الصلة القائمة بين الإنسان وخالقه، أي بين الإنسان وهو من عالم المادة وبين القوة المهيمنة من وراء المادة، التي أبدعت الإنسان وكرمته وجعلته في أحسن تقويم، وأمدته بأنواع من النعم التي لا يستطيع إحصاءها.
والفضيلة الخلقية في حدود هذا القسم تفرض على الإنسان أنواعًا كثيرة من السلوك الأخلاقي: منها الإيمان به لأنه حق، ومنها الاعتراف له بكمال الصفات والأفعال، ومنها شكره على نعمه التي لا تحصى، ومنها طاعته في أوامره ونواهيه، وتقبل نصائحه ووصاياه، والاستجابة له فيما يدعو الناس إليه؛ لأن له الخلق والأمر، ومنها تصديقه فيما يخبرنا به؛ لأن من حق الصادق تصديقه، ومنها التسليم التام لما يحكم علينا به؛ لأنه هو صاحب الحق في أن يحكم علينا بما يشاء.
فكل هذه الأنواع من السلوك أمور تدعو إليها الفضيلة الخلقية.
أما دواعي الكفر بالخالق بعد وضوح الأدلة على وجوده فهي حتمًا دواعٍ تستند إلى مجموعة من رذائل الأخلاق، منها الكبر، ومنها ابتغاء الخروج على طاعة من تجب طاعته، استجابة لأهواء الأنفس وشهواتها، ومنها نكران الجميل وجحود الحق.
وقد نبه القرآن على رذيلة خلق الكبر الدافعة إلى إنكار الآخرة وعدم الإيمان بها، فقال الله تعالى في سورة (النحل 16):
(إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (22) .
لقد استكبروا على طاعة الله، فلزم من ذلك أن لا يؤمنوا بالآخرة، فغدت قلوبهم منكرة، لا تتقبل الأنباء الصادقة التي تحدثهم عن يوم الجزاء الأكبر.
ونبه القرآن على رذيلة إرادة الفجور، الدافعة إلى جحود قانون الجزاء الرباني، وإنكار يوم القيامة، فقال الله تعالى في سورة (القيامة 75):
(بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) .
والفجور: هو التدفق الوقح إلى فعل الشرور والآثام، وهو لا محالة من قبائح رذائل الأخلاق.
القسم الثاني:
ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان وبين الناس الآخرين.
وصور السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم معروفة وظاهرة: منها الصدق، والأمانة، والعفة، والعدل، والإحسان، والعفو، وحسن المعاشرة، وأداء الواجب، والاعتراف لذي الحق بحقه، والاعتراف لذي المزية بمزيته والمواساة والمعونة، والجود، وهكذا إلى آخر جدول فضائل الأخلاق التي يتعدى نفعها إلى الآخرين من الناس.
أما صور السلوك الأخلاقي الذميم في حدود هذا القسم فهي أيضًا معروفة وظاهرة: منها الكذب، والخيانة، والظلم، والعدوان، والشح، وسوء المعاشرة، وعدم أداء الواجب، ونكران الجميل، وعدم الاعتراف لذي الحق بحقه، وهكذا إلى آخر جدول رذائل الأخلاق التي يتعدى ضررها إلى الآخرين من الناس.
القسم الثالث:
ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان ونفسه.
وصور السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم كثيرة: منها الصبر على المصائب، ومنها الأناة في الأمور، ومنها النظام والإتقان في العمل، ومنها عدم استعجال الأمور قبل أوانها، وكل ذلك يدخل في حسن إدارة الإنسان لنفسه، وحكمته في تصريف الأمور المتعلقة بذاته.
وصور السلوك الأخلاقي الذميم في حدود هذا القسم تأتي على نقيض صور السلوك الأخلاقي الحميد.
القسم الرابع:
ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان والأحياء غير العاقلة.
ويكفي أن نتصور من السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم، الرحمة بها، والرفق في معاملتها، وتأدية حقوقها الواجبة. أما الظلم والقسوة وحرمانها من حقوقها؛ فهي من قبائح الأخلاق، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر:
عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض
. رياض الصالحين، الحديث 1597، وفي المشكاه بمثله عن ابن عمر وأبي هريرة، الحديث 1903.
خشاش الأرض: هوامها وحشراتها.
ولا بد من ملاحظة أن كثيرًا من الأخلاق لها عدد من الارتباطات والتعلقات، ولذلك فقد تدخل في عدد من هذه الأقسام في وقت واحد، إذ قد تكون لفائدة الإنسان نفسه، وتكون في الوقت نفسه لفائدة الآخرين، وتكون مع ذلك محققة مرضاة الله تعالى.