موسوعةالأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة (تمجيد الإسلام الخلق الحسن وحثه عليه)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة (تمجيد الإسلام الخلق الحسن وحثه عليه)
378 0

الوصف

مقدمات وأسس عامة 

تمجيد الإسلام الخلق الحسن وحثه عليه

ولما كانت ثمرات الخلق القويم للسلوك الديني وللسلوك الشخصي عظيمة جدًّا، وكانت لدى المقارنة أجل من الثمرات التي تحققها المبالغة في أداء كثير من العبادات المحضة.

ولما كانت سلامة النفس من المساوئ الخلقية أهم من سلامة السلوك الظاهر من طائفة من المعاصي والذنوب الظاهرة، وكان ما يتحقق بحسن الخلق من رضوان الله تعالى أكثر مما يتحقق بالاستكثار من نوافل العبادات المحضة، كالصلاة والصيام والأذكار اللسانية.

لما كان كل ذلك وجدنا النصوص الإسلامية توجه الاهتمام العظيم والعناية الكبرى لقيمة حسن الخلق في الإسلام، وتذكر الخلق الحسن بتمجيد كبير، فمنها النصوص التالية:

أولًا:
روى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم.

وفي حديث عمرو بن عبسة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإيمان أفضل؟ قال:

حسن الخلق

رواه أحمد.

فربط الرسول صلى الله عليه وسلم الارتقاء في مراتب الكمال الإيماني بالارتقاء في درجات حسن الخلق، وذلك لأن السلوك الأخلاقي النابع من المنابع الأساسية للخلق النفسي في الإنسان، موصول هو والإيمان وظواهره وآثاره في السلوك ببواعث نفسية واحدة.

فصدق العبادة لله تعالى عمل أخلاقي كريم؛ لأنه وفاء بحق الله على عبيده.

وحسن المعاملة مع الناس وفاءً بحقوق الناس المادية والأدبية، فهي بهذا الاعتبار من الأعمال الأخلاقية الكريمة.

فإذا تعمقنا أكثر من ذلك فكشفنا أن الإيمان إذعان للحق واعتراف به، رأينا أن الإيمان أيضًا هو عملٌ أخلاقي كريم، بخلاف الكفر بالحق فهو دناءة خلقية.

فإذا ضممنا هذه المفاهيم إلى المفهوم الإسلامي العام، الذي يوضح لنا أن كل أنواع السلوك الإنساني الفاضل فروع من فروع الإسلام، والإسلام التطبيقي آثار للإيمان وثمرات عملية له.

إذا جمعنا كل هذه المفاهيم وجدنا أن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأحسن الناس خلقًا لا بد أن يكون أصدقهم إيمانًا وأخلصهم نية، وأكثرهم التزامًا بما يجب على العباد نحو ربهم من عبادة وحسن توجه له وصلةٍ به، وأكثرهم التزامًا بحقوق الناس المادية والأدبية.

ومن المستبعد جدًّا أن يكون الإنسان ذا خلق كريم مع الناس، محبًا للحق، معطاءً، متواضعًا، صبورًا عليهم، رحيمًا بهم، ودودًا لهم، متسامح النفس معهم، ثم لا يكون ذا خلق كريم مع ربه، فلا يؤمن بحق ربوبيته وألوهيته، ولا يذعن له بذلك، ولا يؤدي واجب العبادة له.

كما أنه ليس من المعقول أن يكون ذا خلق كريم مع الناس، وهو يأكل حقوقهم ويعتدي عليهم، ويتجاوز حدود الواجب الأدبي الذي توصي به الآداب الاجتماعية الإسلامية، فهذا منافٍ لما توجبه فضائل الأخلاق، لو كان حقًّا ذا خلق كريم.

فالأسس الأخلاقية والأسس الإيمانية ذات أصولٍ نفسية واحدة، وإن كانت بعض التطبيقات العملية التي يطالب بها الإسلام المستند إلى الإيمان قد لا تستدعيها الأسس الأخلاقية وحدها منفصلة عن الإيمان، فلا يظهر بذلك ارتباطها بها، فهي أحكام شرعية، يقتضي الإيمان العمل بها، نظرًا إلى أنها أوامر ربانية، والأوامر الربانية توجب الأسس الأخلاقية طاعتها، بوصف كونها طاعة لمن تجب طاعته، لا بوصف كون المطلوب بها ظاهرة لأساس خلقي. فحينما يأمرنا الله تعالى بعبادة خاصة على وجه مخصوص كصلاة ركعات معينة محددة بصفات خاصة وشروط خاصة، فليس من اللازم أن تكون هذه الصلاة بصفاتها الخاصة ظاهرة من ظواهر السلوك الأخلاقي، وذات صلة مباشرة بالأسس الأخلاقية العامة، إذ لله تعالى أن يختار لعبادته أي عمل من الأعمال، وعلى أي شكل من الأشكال، سواءٌ أكان ذلك مما يتصل بالأسس الأخلاقية العامة أو لا يتصل بها. ومع ذلك نقول: إن الفضيلة الخلقية توجب القيام بهذه الطاعة من جهة أن الله أمر بها، إذ الفضيلة الخلقية توجب طاعة الله لأنه الخالق المنعم المالك.

ونظير هذا نقول في طاعة الوالدين وبرهما، وفي طاعة أولي الأمر من المسلمين المؤمنين، وهكذا.

أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث:

وخياركم خياركم لنسائهم

فيكشف الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أدق الموازين والكواشف التي تكشف عن حقيقة خلق الإنسان، فأحسن الناس خلقًا في معاملة ومعاشرة النساء هم أحسنهم خلقًا، فهم بسبب ذلك خيارهم؛ لأن خير الناس هم أحسنهم خلقًا.

ومن المعروف أن الإنسان قادر على أن يتصنع التظاهر بمكارم الأخلاق وفضائل السلوك إلى فترة معينة، ومع بعض الناس، أما أن يتصنع ذلك في كل الأوقات ومع كل الناس فذلك من غير الممكن ما لم يكن فعلًا ذا خلق كريم.

والمحك الذي يمتحن فيه الإنسان امتحانًا صحيحًا ودقيقًا لمعرفة حقيقة خلقه الثابت، هو المجتمع الذي يكون له عليه سلطة ما، وله معه معاشرة دائمة، ومعاملة مادية وأدبية.

فإرادة التصنع تضعف حينما يشعر الإنسان بأن له سلطة ونفوذًا، ثم تشتد ضعفًا حينما تطول معاشرته لمن له عليه سلطة، ثم تتلاشى هذه الإرادة حينما تتدخل المعاملة المادية والأدبية، فإذا ظل الإنسان محافظًا على كماله الخلقي في مجتمع له عليه سلطة، وله معه معاشرة دائمة، ومعاملة مادية وأدبية، فذلك هو من خيار الناس أخلاقًا.

وأبرز أمثلة هذا المجتمع الذي تتوافر فيه هذه الشروط هو مجتمع أسرة الإنسان، وما له من سلطان فيه على نسائه، وهن الضعيفات بالنسبة إليه. يضاف إلى ذلك أن النساء قد تبدو منهن تصرفات أو مطالب تخرج الحليم عن حلمه، والرصين عن رصانته، والسمح عن سماحته، والصدوق عن التزام الصدق، فإذا ثبت الإنسان على خلقه الفاضل رغم وطأة محرجاتهن التي يتبعن فيها أهواءهن، فإنه من خيار الناس خلقًا.

وكم يظهر الإنسان أنه حسن الخلق، فإذا سافرت معه أو عاملته بالدرهم والدينار انكشف عن صاحب خلق سيئ.

ثانيًا:
وروى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء

.

أي يبغض الذي يفعل الفحش ويقول الفحش، ويتكلم ببذيء الكلام، وهو رديئه وقبيحه، الذي يتحدث عن العورات والرذائل وما ينبغي من الأشياء والأعمال ستره.

وفي هذا الحديث يقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أثقل الفضائل في ميزان المؤمن يوم القيامة الخلق الحسن.

وقد يشكل هذا على بعض الناس فيقول: إن الإيمان بالله وحسن الصلة به أفضل الأعمال، وكذلك توحيد الله والإخلاص له في العبادة، وإذا كانت هذه أفضل الأعمال فهي أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة؛ فكيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق

؟!.

ولكن هذا الإشكال لا يلبث أن ينحل إذا عرفنا أن الإيمان وعبادة الله مما توجبه الأسس الأخلاقية، ومن أولى الواجبات التي تفرضها مكارم الأخلاق. وأن الكفر بالله ورفض عبادته وطاعته من أقبح رذائل الأخلاق –كما سبق بيانه في شرح الحديث السابق- لأنه إنكار للحق من عدة وجوه: فهو إنكار لربوبية الله -مع أن كون الله رب كل شيء وخالق كل شيء، حقيقة تفرض نفسها على كل منصف محب للحق- وهو جحود لألوهية الله واستكبار عن عبادته، وهو تمرد على حق الله تجاه عباده في أن يعبدوه ويطيعوه، مع أنه المنعم عليهم بالنعم الكثيرة التي لا يحصونها، وظاهر أن جحود النعمة وعدم القيام بواجب الشكر عليها من أقبح رذائل الأخلاق.

فالإيمان الذي هو أثقل الفضائل عند الله تعالى هو مظهر من مظاهر الكمال الخلقي في الإنسان، وإذا تتبعنا الأعمال وجدنا العبادات أيضًا من مظاهر الكمال الخلقي في الإنسان.

وعندئذ يتضح لنا بجلاء أن أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة حسن خلقه؛ لأن صدق إيمانه وسلامة يقينه وإخلاص نيته، كل ذلك من ثمرات فضائله الخلقية.

ولما كان الفحش والبذاءة من مظاهر الرذائل الخلقية النفسية كان الفاحش البذيء من الذين يبغضهم الله عز وجل.

ثالثًا:
وروى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال:

تقوى الله وحسن الخلق

.

وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال:

الفم والفرج

.

فتقوى الله وحسن الخلق من أحب الأعمال إلى الله، فهما أكثر ما يدخل الناس الجنة.

وفي كون الفم والفرج أكثر ما يدخل الناس النار إشارة إلى عناصر متصلة بسوء الخلق، إذ جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم في مقابل التقوى وحسن الخلق.

والمراد من الفم والفرج ما يعمل الإنسان بهما من أعمال محرمة، فالفم يصدر عنه الكفر بالله، والكذب، وشهادة الزور، والغيبة، والنميمة، والطعن، والتعيير، والتنقيص، واللمز، والتنابز بالألقاب، والدعوة إلى الباطل، ونشر الباطل، والحكم بغير الحق، وغير ذلك من أمور كثيرة، تنافي التقوى وتنافي مكارم الأخلاق. والفرج يصدر عنه أعمال محرمة أخرى تنافي التقوى وتنافي مكارم الأخلاق.

رابعًا:
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول:

إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا

.

وروى الترمذي بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون

.

قالوا: يا رسول الله قد علمنا "الثرثارون والمتشدقون" فما المتفيقهون؟ قال:

المتكبرون

.

الثرثارون: هم الذين يكثرون الكلام ويتكلفونه.

المتشدقون: هم الذين يتكلمون بملء أفواههم، ويتصنعون القول تصنعًا مع التعاظم به والتعالي به على الناس.