موسوعة الأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة( عناية الإسلام بتزكية النفس وتهذيبها وحرصه على تقويم الأخلاق)

موسوعة الأخلاق الإسلامية-مقدمات وأسس عامة( عناية الإسلام بتزكية النفس وتهذيبها وحرصه على تقويم الأخلاق)
362 0

الوصف

موسوعة الأخلاق الإسلامية
عناية الإسلام بتزكية النفس وتهذيبها وحرصه على تقويم الأخلاق

لما كان الأصل في السلوك الظاهر أن يكون مظهرًا تعبيريًّا لأحوال النفس وحركاتها، ولما كان السلوك الظاهر عرضة لدوافع النفاق والرياء أو مؤثرات العادة التي لاتعبر عن صدق في الاتجاه القلبي والنفسي.

لما كان كل ذلك كانت عناية الإسلام موجهة بالدرجة الأولى لتزكية النفس وتهذيبها، والمراد من تزكية النفس تطهيرها من نزغات الشر والإثم، وإزالة حظ الشيطان منها، وتنمية فطرة الخير فيها، ومتى حصلت في النفس هذه التزكية غدت صالحة لغرس فضائل الأخلاق فيها، وتهذيب طباعها تهذيبًا مصلحًا ومقومًا وكابحًا وموجهًا، وبتهذيب طباع النفس يتهيأ المناخ النفسي الصالح لتفجر منابع الخير.

وطبيعي أنه متى تزكت النفس وتهذبت طباعها استقام السلوك الداخلي والخارجي لا محالة.

بخلاف توجيه العناية إلى تقويم السلوك الظاهر فقط، فإنه بناء على غير أساس، وكل بناء على غير أساس عرضة للانهيار، يضاف إلى ذلك أن السلوك الظاهر قد لا يكون معبرًا تعبيرًا صادقًا عن أحوال النفس الداخلية.

ولذلك كان نظر الله تبارك وتعالى في مراقبته لأعمال عباده موجهًا لما في قلوبهم ونفوسهم.

روى الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله تعالى لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم

.

ولذلك كانت قيمة الأعمال في تقرير الجزاء عند الله على قدر قيمة نيات العاملين لها؛ ففي الحديث الصحيح المشهور:

إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى

.

وأشار الرسول صلوات الله عليه إلى أن القلب هو مكان التقوى.

وأبان القرآن أن من زكى نفسه فقد أفلح، وأن من دسى نفسه –أي غمسها في أدناس الكفر والمعصية- فقد خاب، فربط الفلاح بتزكية النفس بالإيمان والتقوى، وربط الخيبة بتدنيس النفس بالكفر والعصيان، قال الله تعالى في سورة (الشمس 91):

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)).

وإذ أبان الله أنه قد ألهم كل نفس معرفة طريق فجورها وطريق تقواها؛ علمنا أن تزكية النفس إنما تكون بالتقوى، وأن غمسها في الأدناس إنما يكون بالفجور.

وقال تبارك وتعالى في سورة (الأعلى 87):

(قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)) .

وحينما يكون العمل تعبيرًا صادقًا عما في النفس يكون ممارسة صادقة من ممارسات تزكية النفس، قال الله تعالى في سورة (الليل 92):

(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)).

فهذا يؤتي ماله مخلصًا، جاهدًا في تزكية نفسه وتطهيرها من حظ الشيطان.

وقد يكون صدق العمل في بعض الطاعات سببًا في تزكية النفس وتطهيرها من ممارسات أخرى فيها دنس، ولذلك جعل الله من وسائل مداواة الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا واعترفوا بذنوبهم، أخذ قسط من أموالهم على سبيل الصدقة لتطهيرهم وتزكيتهم، قال الله تعالى في سورة (التوبة 9):

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104).

وللتربية أثر عظيم في تزكية النفس، ولذلك كانت من مهمات الرسول التربوية تزكية نفوس أصحابه، قال الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (152) .

وقال الله تعالى في سورة (آل عمران 3):

(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (164).