موسوعةالأخلاق الإسلامية -تعريفات (دلالة السلوك الأخلاقي على الخلق الثابت في النفس)
الوصف
موسوعةالأخلاق الإسلامية
دلالة السلوك الأخلاقي على الخلق الثابت في النفس
ولا بد أن نعلم أن دلالة السلوك الأخلاقي على الخلق الأصيل الثابت في قرارة النفس دلالة ظنية، وليست دلالة قطعية، فقد لا يكون السلوك الأخلاقي صادرًا عن خلق أصيل ثابت في قرارة النفس، إذ ربما يكون صادرًا عن تكلف وتصنع، أو عن خوف وطمع، وعندئذ فقد يكون من قبيل الرياء، وقد يكون من قبيل النفاق، وقد يكون صاحبه مخلصًا يريد تطويع نفسه وترويضها، حتى تكتسب الخلق الكريم، ولو لم يكن ذلك من أصل طبعها.
فالخلق في حقيقته تكوين خاص ثابت في النفس فطري أو مكتسب له ظواهر في السلوك، ولكن لا يشترط أن تكون هذه الظواهر دالة دلالة قطعية على وجود الخلق في النفس؛ لأن باستطاعة الإنسان أن يمارس من ظواهر السلوك ما ليس في خلقه ولا في طبيعة نفسه، إنه يستطيع أن يتصنع ما لا ترتاح نفسه إليه، ويستطيع لغرض ما أن يتكلف ما ليس في خلقه النفسي ولا في طبيعته الأصلية، فقد يجود الشحيح لغاية في نفسه، فنسمي العمل عطاءً كريمًا، ولكن يظل صاحب هذا العطاء الكريم غير متصف بخلق الجود؛ لأن خلقه الأصيل في نفسه هو خلق الشح، ويظل كذلك حتى يتحول بالتدريب والعادة فيكون جوادًا في نفسه، وحتى يكسب خلق الجود، فيحل محل خلق الشح، أو يصرفه ويوجهه لشيء آخر غير الحرص على الدنيا وما فيها من مالٍ ومتاع.
__ الحكمة ومكارم الأخلاق والذكاء
1- نتساءل عن العلاقة بين الحكمة وبين التزام فضائل الأخلاق واجتناب رذائلها؟
فنلاحظ أن الحكمة هي ضبط السلوك وتوجيهه وفق مقتضى العقل السليم والدين القويم.
ففي الحكمة عنصران:
الأول:
عنصر الضبط الذي فيه المنع عن الانطلاق والكف عن الانحراف.
الثاني:
عنصر التوجيه الذي فيه تحديد الاتجاه، والدفع إلى السعي نحوه.
أما مصدر بيان ما ينبغي أن يكون الضبط والتوجيه على وفقه فالعقل السليم والدين القويم، وهذان المصدران لا يختلفان في بيان الحقيقة، ولكن بشرط سلامة العقل من الخلل، أو من الوقوع تحت أي موثر من مؤثرات النفس وأهوائها وشهواتها، أو أي مؤثر آخر، وبشرط صحة الدين، وصحة ما ورد عن الدين، وصحة فهم النص الصحيح الوارد عن الدين.
فالحكمة قد تتناول كل أنواع السلوك الإنساني، سواءٌ أكان من قبيل الأخلاق، أو من قبيل الآداب، أو من قبيل العبادات أو العادات أو التقاليد أو من قبيل تلبية المطالب الطبيعية الجسدية أو النفسية.
أما التزام فضائل الأخلاق واجتناب رذائلها فهو نوع من أنواع السلوك الحكيم، وبهذا يتبين لنا أن الحكمة مقسم عام يتفرع إلى فروع، وأن أحد هذه الفروع هو السلوك الأخلاقي الحكيم.
وإذا كان لنا أن نقسم الحكمة إلى حكمة نفسية وحكمة ظاهرة في السلوك، كان لنا أن نجعل الخلق الكريم الثابت في النفس قسمًا من أقسام الحكمة النفسية.
وعلى هذا فالحكمة النفسية من فروعها الأخلاق النفسية الكريمة، والحكمة في السلوك الظاهر من فروعها السلوك الأخلاقي الكريم.
وبهذا التحليل نصل إلى أن الحكمة بوجه عام أمر كلي شامل، ولهذا الأمر الكلي فروع وأقسام، ومن أقسامه وفروعه الحكمة في السلوك النفسي، والحكمة في السلوك الظاهر، ومن فروع الحكمة في السلوك النفسي الأخلاق الكريمة الفاضلة، ومن فروع الحكمة في السلوك الظاهر السلوك الأخلاقي الكريم.
2- ونتساءل عن العلاقة بين الحكمة والذكاء؟
فنلاحظ أن الحكمة قد تحتاج إلى قدر جيد من الذكاء لمعرفة وجه الحق، ولكن كثيرًا ما يوجد الذكاء ولا توجد الحكمة.
يعرف بعضهم الذكاء بأنه حسن التكيف والتلاؤم مع البيئة ومع الأحوال والأحداث الطارئة.
وظاهر أن مثل هذا التعريف لا يصلح لأن تفسر به الحكمة، وذلك لأن التكيف والتلاؤم مع البيئة والأحوال والأحداث الطارئة قد يكون ذكاءً حكيمًا، وقد يكون ذكاءً غير حكيم، فالمنافق قد يرى نفسه يتكيف تكيفًا ذكيًّا، فيتلاءم مع البيئة وينافق لها، ولكن من ينافق في الدين الحق غير حكيم؛ لأنه يقذف بنفسه إلى الدرك الأسفل من النار. والذي يجد نفسه في بيئة فاسدة منحرفة عن سواء السبيل فيتكيف معها، ويجاريها في أعمالها، قد يرى أنه يتكيف تكيفًا ذكيًّا، فيتلاءم مع البيئة ويسايرها، ولكنه في ذكائه هذا غير حكيم. واللصوص والمجرمون قد يكونون أذكياء جدًّا، ولكنهم ليسوا بحكماء.
فالذكاء إذن شيء والحكمة شيء آخر، ولكن قد يكون الذكاء مادة أو وسيلة للتعرف على وجوه الحكمة.
ولذلك مجدت النصوص الإسلامية الحكمة تمجيدًا عظيمًا:
(أ) فجاء في القرآن الكريم وصف الخالق سبحانه بأنه حكيم في نيف وتسعين موضعًا.
(ب) وجاءت الحكمة عنوانًا للتعاليم الربانية للناس، فقال الله تعالى في سورة (الزخرف 43):
(وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ.... (63)
وقال الله تعالى في سورة (الجمعة 62):
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (2) .
(ج) وأرشد الله إلى استعمال الحكمة في الدعوة إلى سبيل الله، فقال الله تعالى في سورة (النحل 16):
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... (125)
(د) ومجد الله الحكمة في السلوك الإنساني، فقال تعالى في سورة (البقرة 2):
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا... (269)