التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن (أوصاف الأمة الأساسية في القرآن)
الوصف
مقاصد القرآن
أوصاف الأمة الأساسية في القرآن
أبرز ما يميز هذه الأمة عن غيرها من الأمم أوصاف أربعة ذكرها القرآن:
الربانية:
الأول: الربانية: ربانية المصدر، وربانية الوجهة. فهي أمة أنشأها وحي الله تعالى، وتعهدتها تعاليمه وأحكامه، حتى اكتمل لها دينها، وتمت به نعمة الله عليها، كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)(المائدة: 3)
فالله تعالى هو صانع هذه الأمة. ولهذا نجد القرآن الكريم يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: 143) ، فهذا التعبير (جَعَلْنَاكُمْ) يفيد أن الله هو جاعل هذه الأمة ومتخذها وصانعها.
ومثل ذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(آل عمران: 110) ، فتعبير (أُخْرِجَتْ) يدل على أن هناك مخرجا أخرج هذه الأمة، فهي لم تظهر اعتباطا، ولم تكن نباتا بريا ينبت وحده دون أن يزرعه زارع، بل هو نبات مقصود متعهد بالعناية والرعاية، والذي أخرج هذه الأمة وزرعها وهيأها لرسالتها هو الله جل شأنه.
فهي أمة مصدرها رباني، ووجهتها ربانية كذلك، لأنها تعيش لله، ولعبادة الله، ولتحقيق منهج الله في أرض الله. فهي من الله وإلى الله، كما قال تعالى لرسوله: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ)(الأنعام: 162، 163)
الوسطية:
والثاني: الوسطية... التي تؤهل الأمة للشهادة على الناس، وتبوئها مكانا لأستاذية للبشرية، وفيها جاءت الآية الكريمة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
)(البقرة: 143)
وهي وسطية شاملة جامعة: وسطية في الاعتقاد والتصور، ووسطية في الشعائر والتعبد، ووسطية في الأخلاق والسلوك، ووسطية في النظم والتشريع، ووسطية في الأفكار والمشاعر.
وسطية بين الروحية والمادية... بين المثالية والواقعية... بين العقلانية والوجدانية... بين الفردية والجماعية... بين الثبات والتطور.
إنها الأمة التي تمثل (الصراط المستقيم) بين السبل المتعرجة والملتوية، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض. صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، لا صراط المغضوب عليهم ولا الضالين.
الدعوة:
والوصف الثالث: الدعوة. فهي أمة دعوة ورسالة، ليست أمة منكفئة على نفسها، تحتكر رسالة الحق والخير والهداية لذاتها، ولا تعمل على نشرها في الناس، بل الدعوة فريضة عليها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإيمان بالله أساس تفضيلها على كل الأمم، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران: 110)
فهي لم ترجح سائر الأمم في ميزان الله لسبب مادي أو عنصري. كيف وهي تتكون من عناصر شتى، من كل من يدخل في دين الله من أجناس البشر عربا أو عجما؟
إنما رجحت في ميزان الحق، لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
وقبل ذلك بآيات، قال الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران: 104)
ومعناها على أحد التفسيرين: اجعلوا من أنفسكم أمة الدعوة والأمر والنهي، فبهذا تستحقون أن يقصر الفلاح عليكم. و"من" هنا تجريدية لا تبعيضية. كما تقول: ليكن لي منك الصديق الوفي، أي: كن أنت لي الصديق الوفي.
وعلى التفسير الآخر: هيئوا منكم طائفة متماسكة بحيث يصح أن تسمى (أمة) قادرة على الدعوة والأمر والنهي، لتسقط فرض الكفاية عنكم، وتكونوا أنتم عونا لها.
إن رسالة الإسلام رسالة عالمية، رسالة لكل الأجناس، ولكل الألوان، ولكل الأقاليم، ولكل الشعوب، ولكل اللغات، ولكل الطبقات. كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(الانبياء: 107)
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)(الفرقان: 1)
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف: 158)
وعلى الأمة المسلمة أن تدعو الناس جميعا إلى الإسلام بألسنتهم حتى تبين الحق لهم، وتقيم الحجة عليهم، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، حتى لا تلعن كما لعن الذين من قبلها حين فرطوا في هذا الواجب: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)(المائدة: 78، 79)
الوحدة:
والوصف الرابع: الوحدة: فالأمة التي يريدها الإسلام أمة واحدة، وإن تكونت من عروق وألوان وطبقات، فقد صهرها الإسلام جميعا في بوتقته، وأذاب الفوارق بينها، وربطها بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
يقول تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92)
ويقول سبحانه: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون: 52)
وكيف لا تكون هذه الأمة واحدة، وقد وحد الله عقيدتها وشريعتها. وحد غايتها، ووحد منهاجها. كما قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) (الأنعام: 153)
أمة ربها واحد هو الله، ونبيها واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابها واحد هو القرآن، وقبلتها واحدة هي الكعبة (البيت الحرام) ، وشريعتها واحدة هي شريعة الإسلام، ووطنها واحد هو (دار الإسلام) على اتساعها، وقيادتها واحدة تتمثل في (خليفة المسلمين) وأمير المؤمنين، الذي يجسم الوحدة السياسية للأمة.
ولهذا رفض الإسلام أن يكون للمسلمين خليفتان في وقت واحد، حرصا على وحدة الأمة، ومنعا لتفرق كلمتها، وشتات أمرها.
ولهذا لا يجوز أن نقول في تعبيرنا: الأمم الإسلامية، بل الأمة الإسلامية. فهي أمة واحدة كما أمر الله، وليست أمما متفرقة، كما أراد الاستعمار.
يقول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا)(آل عمران: 103)
ويقول: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(آل عمران: 105)
هي أمة ذات شعوب، كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)(الحجرات: 13) فلا بأس أن نقول: الشعوب الإسلامية، بدل (الأمم الإسلامية) .
ولقد نبه القرآن على دسائس بعض أهل الكتاب الذين يسعون جهدهم لتمزيق شمل المسلمين، وإثارة النعرات العصبية بينهم. قال تعالى محذرا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)(آل عمران: 100)
وسبب نزول الآية الكريمة وما بعدها يدل على أن المقصود: يردوكم بعد وحدتكم متفرقين، وبعد أخوتكم متعادين.
إن وحدة الأمة توجب عليها أن تجعل أخوتها الإسلامية فوق كل العصبيات، فقد جعلها الله تعالى معبرة عن الإيمان ومجسدة له: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)
وقال رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم:
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"
أي لا يخذله عند الشدة أو عند الاعتداء عليه، بل ينصره ويسانده، وهذا هو مقتضى الأخوة. وهو ما يؤكده الحديث الآخر:
"المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم"
ويحذر الإسلام أبلغ التحذير من تعادي أبناء الأمة الواحدة إلى حد أن يحارب بعضها بعضا، كما كانت قبائل الجاهلية تفعل. يقول صلى الله عليه وسلم:
"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"
،
"سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"