التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن ( إنصاف المرأة وتحريرها من ظلم الجاهلية)
الوصف
مقاصد القرآن
إنصاف المرأة وتحريرها من ظلم الجاهلية
ومن أهم ما جاء به القرآن هنا: إنصاف المرأة، وتحريرها من ظلم الجاهلية وظلامها، ومن تحكم الرجل في مصيرها بغير حق، فكرم القرآن المرأة وأعطاها حقوقها بوصفها إنسانا، وكرمها بوصفها أنثى، وكرمها بوصفها بنتا، وكرمها بوصفها زوجة، وكرمها بوصفها أُمًّا، وكرمها بوصفها عضوا في المجتمع.
وإنني أشير هنا إلى أهم أصول الإصلاح النسوي في هذه المسائل بإيجاز:
(1) كان بعض البشر من الإفرنج وغيرهم يعدون المرأة من الحيوان الأعجم أو من الشياطين لا من نوع الإنسان، وبعضهم يشك في ذلك، فجاء محمد صلى الله عليه وسلميتلو عليهم قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى) (الحجرات: 13) ، وقوله: (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء: 1) ، وما في معناهما.
(2) كان بعض البشر في أوروبة وغيرها يرون أن المرأة لا يصح أن يكون لها دين –حتى كانوا يحرمون عليها قراءة الكتب المقدسة رسميا – فجاء الإسلام يخاطب بالتكاليف الدينية الرجال والنساء معا بلقب المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات.
كان أول من آمن بمحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم امرأة وهي زوجه خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) ، وقد ذكر الله تعالى مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء في نص القرآن، ثم بايع الرجال بما جاء فيها- ولما جمع القرآن في مصحف واحد جمعا رسميا وضع عند امرأة هي حفصة أم المؤمنين، وظل عندها من عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق إلى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنهم) فأخذ من عندها، واعتمدوا عليه في نسخ المصاحف الرسمية التي كتبت وأرسلت إلى الأمصار، لأجل النسخ عنها، والاعتماد عليها.
(3) كان بعض البشر يزعمون أن المرأة ليس لها روح خالدة فتكون مع الرجال المؤمنين في جنة النعيم في الآخرة – وهذا الزعم أصل لعدم تدينها – فنزل القرآن يقول: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء: 123، 124) ويقول: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)(آل عمران: 195) وفيها الوعد الصريح بدخول الفريقين جنات تجري من تحتها الأنهار.
(4) كان بعض البشر يحتقرون المرأة فلا يعدونها أهلا للاشتراك مع الرجال في المعابد الدينية والمحافل الأدبية، ولا في غيرهما من الأمور الاجتماعية والسياسية والإرشادات الإصلاحية، فنزل القرآن يصارحهم بقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71) ، ثم قال: (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 72) .
(5) كان بعض البشر يحرمون النساء من حق الميراث وغيره من التملك، وبعضهم يضيق عليهن حق التصرف فيما يملكن، فأبطل الإسلام هذا الظلم، وأثبت لهن حق التملك والتصرف بأنفسهن في دائرة الشرع، قال الله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)(النساء: 7) ، وقال: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)(النساء: 32)
ونحن نرى أن دولة الولايات المتحدة الأمريكية لم تمنح النساء حق التملك والتصرف إلا من عهد قريب في عصرنا هذا، وأن المرأة الفرنسية لا تزال مقيدة بإرادة زوجها في التصرفات المالية والعقود القضائية، وقد منحت المرأة المسلمة هذه الحقوق منذ ثلاثة عشر قرنا ونصف قرن.
(6) كان الزواج في قبائل البدو وشعوب الحضارة ضربا من استرقاق الرجال للنساء، فجعله الإسلام عقدا دينيا مدنيا لقضاء حق الفطرة بسكون النفس من اضطرابها الجنسي بالحب بين الزوجين، وتوسيع دائرة المودة والألفة بين العشيرتين، واكتمال عاطفة الرحمة الإنسانية وانتشارها من الوالدين إلى الأولاد، على ما أشار إليه قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم: 21)
(7) القرآن ساوى بين المرأة والرجل باقتسام الواجبات والحقوق بالمعروف مع جعل حق رياسة الشركة الزوجية للرجل لأنه أقدر على النفقة والحماية بقول الله عز وجل في الزوجات: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)(البقرة: 228) ، وقد بين هذه الدرجة بقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)(النساء: 34) ، فجعل من واجبات هذه القيامة على الزوج نفقة الزوجة والأولاد، لا تكلف الزوجة منه شيئا- ولو كانت أغنى منه- وزادها المهر، فالمسلم يدفع لامرأته مهرا عاجلا مفروضا عليه بمقتضى العقد، حتى إذا لم يذكر فيه لزمه مهر مثلها في الهيئة الاجتماعية، ولهما أن يؤجلا بعضه بالتراضي، على حين نرى بعض الأمم حتى اليوم تكلف المرأة دفع المهر للرجل.
وكان أولياء المرأة يجبرونها على التزوج بمن تكره، أو يعضلونها بالمنع منه مطلقا- وإن كان زوجها وطلقها- فحرم الإسلام ذلك، والنصوص في هذا معروفة في كلام الله وكلام رسوله وسنته، وتقدم بيانها في الجزء الثاني من التفسير.
(8) كان الرجال من العرب وبني إسرائيل وغيرهم من الأمم يتخذون من الأزواج ما شاءوا غير مقيدين بعدد، ولا مشترط عليهم فيه العدل، فقيدهم الإسلام بألا يزيدوا عن أربع، وأن من خاف على نفسه ألا يعدل بين اثنتين وجب عليه الاقتصار على واحدة. وإنما أباح الزيادة لمحتاجها القادر على النفقة والإحصان، لأنها قد تكون ضرورة من ضرورات الاجتماع، ولا سيما حيث يقل الرجال ويكثر النساء.
وقد فصلنا ذلك في تفسير آية التعدد في سورة النساء، ثم زدنا عليه في كتاب (حقوق النساء في الإسلام) ما هو مقنع لكل عاقل منصف بأن ما شرعه الإسلام في التعدد هو عين الحق والعدل ومصلحة البشر.
(9) الطلاق قد يكون ضرورة من ضروريات الحياة الزوجية إذا تعذر على الزوجين القيام بحقوق الزوجية من إقامة حدود الله وحقوق الإحصان والنفقة والمعاشرة بالمعروف، وكان مشروعا عند أهل الكتاب والوثنيين من العرب وغيرهم، وكان يقع على النساء منه وفيه ظلم كثير، وغبن يشق احتماله. فجاء الإسلام فيه بالإصلاح الذي لم يسبقه إليه شرع، ولم يلحقه بمثله قانون. وكان الإفرنج يحرمونه ويعيبون الإسلام به، ثم اضطروا إلى إباحته، فأسرفوا فيه إسرافا منذرا بفوضى الحياة الزوجية، وانحلال روابط الأسرة والعشيرة.
جعل الإسلام عقدة النكاح بيد الرجال، ويتبعه حق الطلاق، لأنهم أحرص على بقاء الزوجية بما تكلفهم من النفقات في عقدها وحلها، وكونهم أثبت من النساء جأشا، وأشد صبرا على ما يكرهون، وقد أوصاهم الله تعالى على هذا بما يزيدهم قوة على ضبط النفس، وحبسها على ما يكرهون من نسائهم فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)(النساء: 19) ، على أن الشريعة تعطي المرأة حق اشتراط جعل عصمتها بيدها لتطلق نفسها إذا شاءت، وأعطتها حق طلب فسخ عقد الزواج من القاضي إذا وجد سببه من العيوب الخلقية أو المرضية كالرجل، وكذا إذا عجز الزوج عن النفقة. وجعلت للمطلقة عليه حق النفقة مدة العدة التي لا يحل لها فيها الزواج – وذم النبي صلى الله عليه وسلم الطلاق بأن الله يبغضه- للتنفير عنه – إلى غير ذلك من الأحكام.
(10) بالغ الإسلام في الوصية ببر الوالدين فقرنه بعبادة الله تعالى، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم فيه حق الأم، فجعل برها مقدما على بر الأب، ثم بالغ في الوصية بتربية البنات وكفالة الأخوات، بأخص مما وصى به من صلة الأرحام، بل جعل لكل امرأة قيما شرعيا يتولى كفايتها والعناية بها، ومن ليس لها ولي من أقاربها، أوجب على أولي الامر من حكام المسلمين أن يتولوا أمرها.
وجملة القول: أنه ما وجد دين ولا شرع ولا قانون في أمة من الأمم أعطى النساء ما أعطاهن الإسلام من الحقوق والعناية والكرامة. أفليس هذا كله من دلائل كونه من وحي الله العليم الحكيم الرحيم لمحمد النبي الأمي المبعوث في الأميين؟ بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين المبرهنين، والحمد لله رب العالمين". أ. ه