التعامل مع القرآن مقاصد القرآن - (تكوين الأسرة وإنصاف المرأة)
الوصف
مقاصد القرآن
تكوين الأسرة وإنصاف المرأة
ومن المقاصد التي هدف إليها القرآن: تكوين الأسرة الصالحة، التي هي ركيزة المجتمع الصالح، ونواة الأمة الصالحة.
الزواج في نظر القرآن:
ولا ريب أن أساس تكوين الأسرة هو الزواج، الذي يربط بين رجل وامرأة رباطا شرعيا وثيق العرا، مكين البنيان، مؤسسا على تقوى من الله ورضوان، وقد اعتبر القرآن هذا الزواج آية من آيات الله، مثل خلق السموات والأرض، وخلق الإنسان من تراب، وذلك في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21) فأشار إلى الدعائم الثلاث التي تقوم عليها الحياة الزوجية، كما يرشد إليها القرآن، وهي: السكون والمودة والرحمة. ويعني بالسكون: سكون النفس من اضطرابها وثورانها توقا إلى الجنس الآخر، بالإشباع المشروع في ظل مرضاة الله.
فلا يعرف الإسلام الأسرة إلا بين رجل وامرأة، منذ الأسرة البشرية الأولى من آدم وزوجه: (اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(البقرة: 35) ـ لا يعرف ما يدعو إليه المتحللونمن الغربيين اليوم من الأسرة الوحيدة الجنس! بحيث يتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة. وهذا أمر ضد الفطرة، وضد الأخلاق، وضد المصلحة، وضد الشرائع. وهو للأسف ما حاول مؤتمر السكان في القاهرة (1994) ومؤتمر المرأة في بكين (1995) أن يفرضاه على العالم!!
وبهذا يقاوم القرآن نزعتين منحرفتين:
أولاهما: نزعة (الرهبانية) المنافية للفطرة، التي تحرم الزواج، وتنظر إلى الغريزة الجنسية وكأنها رجس من عمل الشيطان، وتنفر من (ظل) المرأة، ولو كانت أختا أو أما لأنها أبدا أحبولة الشيطان!
وثانيتهما: نزعة (الإباحية) التي تطلق العنان للغريزة، بلا ضابط ولا رابط، وتنادي بحرية الاستمتاع الجنسي بين الرجل والمرأة، دون ارتباط بمسئولية شرعية، تتكون من خلالها حياة زوجية ذات هدف، تنشأ منها أسرة مترابطة، تقوم على أمومة حانية، وأبوة راعية، وبنوة بارة، وأخوة عاطفة، وتتربى في ظلها مشاعر المحبة، وعواطف الإيثار والتعاون.
الزواج ميثاق غليظ
والقرآن يسمي الارتباط بين الزوجين (مِّيثَاقًا غَلِيظًا) كما في قوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء: 20، 21) ومعنى هذا: أنه عقد قوي متين.
وهو نفس التعبير الذي أطلقه القرآن على ما بين الله ورسله، كما في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)(الأحزاب: 7)
وعبر القرآن عن العلاقة بين الزوجين فقال: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)(البقرة: 187)
وهو يعبر عن مدى القرب واللصوق والدفء والوقاية والستر والزينة بين الزوجين، فكل منهما بمنزلة اللباس لصاحبه.
ولا يجد القرآن غضاضة في الاستمتاع الحسي بين الزوجين، ولو في ليلة صيام: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) (البقرة: 187)
كما لا يضع أي قيد على الاستمتاع بين المرء وزوجه: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة: 223) ، ما دام الاستمتاع في موضع الحرث، وفي غير موضع الأذى وزمانه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(البقرة: 222)
الذرية الصالحة
ومن أول أهداف الأسرة في القرآن: الذرية الصالحة التي تكون قرة عين للأبوين، لذا قال تعالى: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل: 72) ، وكان من دعاء عباد الرحمن: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان: 74)
ولقد رأينا الرسل المصطفين في القرآن يسألون الله الذرية، التي تكون امتداد لوجودهم، كما قال الخليل إبراهيم: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ) (الصافات: 100، 101)
وكما قال زكريا: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم: 5، 6) ، فجاءه الجواب الإلهي: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) (مريم: 7)
التوافق الديني
ولا بد للأسرة أن يكون بينها قدر من التوافق الديني، لهذا حرم القرآن نكاح المشركات وإنكاح المشركين، فقال تعالى: (وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(البقرة: 221)
وختام الآية يبين لنا الحكمة في هذا التحريم، فما أعظم الفرق، وما أبعد المسافة بين الذين يدعون إلى النار- وهم المشركون- والذين يدعون إلى الجنة والمغفرة، وهم المسلمون!
والعرب يعبرون في شعرهم عن مثل هذا التباين، حين قال قائلهم:
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله، كيف يلتقيان؟!
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يماني!
وقد رخص القرآن في نكاح الكتابية، لأنها ذات دين سماوي الأصل، وهي تؤمن – في الجملة – بالله ورسالاته، وبالدار الآخرة، وإن كان إيمانا مشوبا، ولذا قال تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) (المائدة: 5)
ونظرا لأن المسلم يعترف بأصل دين الكتابية، فلن تضام عنده، ولن تضيع حقوقها، بخلاف الكتابي الذي لا يعترف بأصل دين المسلمة، ولا بإلهية القرآن، ولا بنبوة محمد، فلهذا أجمعت الأمة بجميع مذاهبها، وفي جميع عصورها، على تحريم زواج المسلمة بغير المسلم، ولو كان كتابيا. وهو إجماع نظري متصل بالعمل، استمر أربعة عشر قرنا. وقد عصم الله هذه الأمة أن تجتمع كلها على ضلالة.