التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن ( الأمر بعبادة الله وتقواه)

التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن ( الأمر بعبادة الله وتقواه)
426 0

الوصف

مقاصد القرآن
 عبادة الله وتقواه

لا يوجد كتاب من الكتب المقدسة، حفل بالثناء على الله جل شأنه، والتذكير بواسع علمه، وبالغ حكمته، وعظيم قدرته، وشمول مشيئته، وعظمة إبداعه، وسعة رحمته، وآثار ربوبيته، والترغيب في القيام بعبوديته، والوقوق على عتبته، والرجاء في فضله، والخوف من سطوة عدله، وإسلام الوجه له، وإخلاص الدين له، والاستغراق في حبه، والأنس به، والشوق إليه، والاطمئنان بذكره، والاجتهاد في شكره وحسن عبادته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والصبر على بلائه، والرضا بقضائه.

لا يوجد كتاب حفل بهذا كله – بأبلغ بيان، وأروع أسلوب – غير القرآن الكريم.

إنك أول ما تفتح المصحف تجد الثناء على الله تبارك وتعالى يواجهك في أول سطوره. في فاتحة الكتاب، التي افترض الإسلام تلاوتها في كل ركعة في الصلوات الخمس: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)

وفي آخر صفحة من المصحف الشريف تجد المعوذات الثلاث، وهي: سورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس، التي بها ختم القرآن: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ...)

وبين الفاتحة والختام لا تكاد صفحة من المصحف تخلو من ثناء على الله تعالى بما هو أهله، من وصفه بكل كمال يليق بذاته المقدسة، وتنزيهه عن كل نقص ينافي جلاله وجماله، والدلالة عليه سبحانه عن طريق هذا الكون الذي أبدعه وأتقن فيه كل شيء صنعه، وهذا الإنسان الذي خلقه فسواه فعدله، وعن طريق التاريخ الحافل برسالات النبيين، وبطولات المؤمنين، ومواقف المكذبين، ومصير الناجين والهالكين، وعن طريق الأوامر والنواهي والتوجيهات والإرشادات الإلهية، التي تصل الإنسان أبدا بالله، وتهديه إلى منهج الله.

ولقد ذكر القرآن لفظ الجلالة (الله) 2697 ألفين وستمائة وسبعا وتسعين مرة، أما (الضمائر) العائدة إلى (الله) فيصعب أن تحصر. وكذلك أسماء الله تبارك وتعالى، مثل: الرحمن الرحيم، والعليم الحكيم، والعلي القدير، والسميع البصير، واللطيف الخبير، ومثل الرب مضافا وموصوفا، فقد امتلأت بها صفحات القرآن، وكذلك أفعاله عز وجل في هذا الكون، من الخلق والرزق، والإعطاء والمنع، والإحياء والإماتة، والإيجاد والإمداد، والإعزاز والإذلال، والإضحاك والإبكاء، والإنجاء والإهلاك، والنصر والخذلان، إلى غير ذلك من أفعاله سبحانه، التي تكررت في القرآن بصيغ متنوعة، وأساليب شتى، يعز إحصاؤها.

ولا عجب في ذلك، فالمقصود الأول من القرآن: أن يتعرف الله تعالى إلى خلقه، وأن يصلهم بحبله، وأن يتحبب إليهم بنعمه وفضله، وأن يخوفهم من سطوته وعدله، حتى يعرفوه ويحبوه وينيبوا إليه، ويسيروا على منهجه، الذي أنزل به كتابه، وبعث به رسوله، ليهتدوا به إلى التي هي أقوم.

لقد بين القرآن أن المهمة الأولى للإنسان أن يقوم بعبادة الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)

فالله تعالى هو خالق الإنسان ورزاقه، ومدبر أمره، والمنعم عليه بنعم وفيرة لا يمكن للإنسان إحصاؤها، (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا) (إبراهيم: 34، والنحل: 18)

وحسبنا منها: نعمة الإيجاد، ونعمة الرزق، ونعمة العقل، ونعمة الإرادة، ونعمة القدرة، ونعمة البيان (النطقي والخطي) ، ونعمة تسخير الكون للإنسان.

وفي هذا يقول القرآن: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1-5)

(الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ البَيَانَ) (الرحمن: 1-4)

(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ)(البلد: 8-10)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (فاطر: 3) ، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً

)(لقمان: 20)

وعدد القرآن جملا من هذه النعم الوفيرة السابغة في عدد من سور القرآن، أظهرها في سورة النحل، التي تسمى: سورة النعم.

ومن حق الخالق الرازق المنعم بهذه النعم: أن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى. ولا يتأتى ذلك إلا بالعبادة الخالصة له. فالعبادة من حقه وحده جل وعلا. ولذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 21، 22)

ولا يوجد دين كالإسلام، أمر بعبادة الله سبحانه وحض عليها، وربط المسلم بربه ربطا وثيقا، بعبادات متنوعة، منها: اليومي كالصلوات الخمس، والأسبوعي كصلاة الجمعة والسنوي كصيام رمضان، والعمري (الذي يؤدى في العمر مرة) كالحج.

منها الفعلي كالصلاة، والتركي كالصيام. منها البدني كالصلاة والصيام، ومنها: المالي كالزكاة، والجامع بينهما كالحج والجهاد.

منها: المفروض فرضا عينيا، كالعبادات الشعائرية الأربع، ويلحق بها الفرائض الاجتماعية التي أمر بها القرآن مثل: الإحسان بالوالدين وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل.

ومنها: المفروض فرضا كفائيا، إذا قام به البعض سقط الإثم عن سائر الأمة، مثل صلاة الجنازة، والعيدين، ومثل إقامة التكافل بين أبناء المجتمع، ومثل إعداد القوة المادية والعسكرية اللازمة لحماية الأمة، ومثل إعداد المجتهدين في علوم الدين، والمتفوقين في العلوم والصناعات الدنيوية التي لا يقوم المجتمع إلا بها.

ومنها: ما هو نافلة، مثل ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره وتلاوة كتابه.

وهذه العبادات كلها تعد المسلم لتقوى الله، كما جاء في الآية التي ذكرناها: (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة: 21)

والاتقاء أو التقوى معناه: الاجتناب (هو: افتعال من الوقاية) ، واتقاء الله تعالى، يعني: اجتناب غضبه، والابتعاد عما يسخطه سبحانه، وما يسخطه: هو فعل المحظور، وترك المأمور، ولذا عبروا عن التقوى بأنها: امتثال الأوامر واجتناب النواهي. وأساسها: خشية الله، وذلك من عمل القلب، ولذا أضافها القرآن إليه فقال: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32) وأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال:

"التقوى ههنا... ثلاثا"