التعامل مع القرآن - مقاصد القرآن ( تكريم الإنسان ورعاية حقوقه 3 )
الوصف
مقاصد القرآن
تكريم الإنسان ورعاية حقوقه 3
جـ- تأكيد حقوق الضعفاء:
قرر القرآن حقوق الإنسان عامة، ولكنه عني عناية فائقة بحقوق الضعفاء من بني الإنسان خاصة، خشية أن يجور عليهم الأقوياء، أو يهمل أمرهم الحكام والمسؤولون.
نجد مظاهر هذه العناية في سور القرآن مكية ومدنية، كقوله تعالى في سورة الضحى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ)(الضحى: 9) ، وفي سورة المدثر يتحدث عن المجرمين في سقر، وأسباب دخولهم فيها، فيقول على لسان أصحاب اليمين حيث يسألونهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (المدثر: 42- 44) ، وهاتان السورتان – الضحى والمدثر- من أوائل ما نزل، وفي سورة الماعون: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)(الماعون: 1-3) ، فلم يكتف بإيجاب إطعام المسكين بل أوجب الحض على ذلك، والدعوة إليه.
وفي سورة الحاقة، علل القرآن دخول صاحب الشمال الجحيم، بقوله: (إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (33) وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الحاقة: 33، 34) ، فقرن الحض بالإيمان، أو قرن ترك الحض بالكفر بالله تعالى.
وفي سورة الفجر خاطب القرآن المجتمع الجاهلي المتظالم بقوله: (كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الفجر: 17، 18)
وأمر بالمحافظة على مال اليتيم – إن كان له مال- إذ جعل ذلك من وصاياه العشر في سورة الأنعام: (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (الأنعام: 152) وكرر هذه الوصية في الإسراء (الآية 34)
وفي سورة النساء وضع القواعد للمحافظة على مال اليتيم وحسن استغلاله، وتنميته بالمعروف في جملة من الآيات انتهت بوعيد شديد: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء: 10)
وقد جعل القرآن للمساكين واليتامى إذا كانوا فقراء حظا في أموال الدولة من الزكاة والفيء وخمس الغنيمة. قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) (التوبة: 60) ، (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(الأنفال: 41) ، (مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)(الحشر: 7)
وإنما جعلنا الزكاة من أموال الدولة لأن الله أمر ولي الأمر بأخذها فقال: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: 103) ، فإذا لم تتول الدولة أخذها، كان على أرباب الأموال أداؤها إلى الفقراء، يبحثون هم عن الفقراء، ولا يبحث الفقراء عنهم.
كما جعل لهم حقا في أموال أقاربهم وسائر الأمة بعد ذلك: (لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) (البقرة: 177) ، (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)(الإسراء: 26) ، (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)(النساء: 36) ، (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(البقرة: 215)
وأهم من ذلك كله: أن القرآن شرع القتال وسل السيوف للدفاع عن المستضعفين في الأرض، بل حرض أبلغ التحريض على القتال ذودا عن حرماتهم، ودرءا للظلم عنهم. يقول تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء: 74، 75)
هذه بعض الحقوق التي قررها القرآن للإنسان، ولا نقول: أعلنها، إذ كان الأمر أكبر من إعلان، إنه بلاغ من رب الناس للناس، أسست عليه عقيدة، ونهضت على أساسه ثقافة وتربية، وبني عليه فقه وتشريع، وقامت عليه دولة وأمة، وامتدت به حضارة وتاريخ.