التعامل مع القرآن - خصائص القرآن ( الأخلاق فى القرآن )
الوصف
خصائص القرآن
الأخلاق في القرآن
وكما اشتمل القرآن على العقيدة، وعلى التشريع، اشتمل كذلك على الأخلاق، سواء كانت (أخلاقا ربانية) وهي التي تجسد الصلة بالله، وتعمق التقوى له: مثل الإخلاص له، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والرجاء في رحمته، والخشية من عذابه، والحياء منه، والشكر على نعمائه، والصبر على بلائه، والرضا بقضائه، والمحبة له، والأنس به، وإيثار الآخرة على الدنيا – وهو ما يسمى الزهد – وهذه الأخلاق الربانية هي التي عني بها علم التصوف والسلوك.
أم كانت (أخلاقا إنسانية) لا يتم حسن المعايشة بين الناس إلا بها مثل: الصدق، والأمانة، والسخاء، والشجاعة، والتواضع، والوفاء، والحياء، والعفة، والحلم، والصبر، والعدل والإحسان، والرحمة، والغيرة على الحرمات، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الجار، والصاحب بالجنب، والتسامح مع المخالف، والإيثار، والتعاون على البر والتقوى، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، ورعاية اليتيم، والحض على طعام المسكين، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وقد اعتبر القرآن هذه الأخلاق بنوعيها: الرباني والإنساني، من تمام الإيمان والتقوى، ولذا نراه يجسد الإيمان في أخلاق وسلوكيات رفيعة، سواء مع الله أو مع الناس:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (الأنفال: 2-4)
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)(المؤمنون: 1-8)
وهنا نجد القرآن يمزج بين الأخلاق الربانية والأخلاق الإنسانية، ويضعها في نسق واحد، كما نجد ذلك واضحا أيضا في أوصاف المتقين في أول سورة البقرة، وفي أوصاف أولي الألباب في سورة الرعد، وفي أوصاف عباد الرحمن في أواخر سورة الفرقان، وفي أوصاف المحسنين في سورة الذاريات، وفي أوصاف الأبرار في سورة الإنسان، وفي غيرها من سور القرآن.
وقال تعالى في بيان حقيقة (البر) بعد أن ذكر بر العقيدة، وبر العبادة، وبر العمل، وتحدث عن بر الخلق: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177)
وقال تعالى في وصف من فقد الإيمان: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل: 105)
ووصف الله عباده الذين يحبهم، ويؤيدهم بمعيته ونصره: بمكارم الأخلاق، كما في قوله تعالى: (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 148) ، (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(آل عمران: 146) ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(البقرة: 222) ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)(الصف: 4) ، (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)(النحل: 128)
وأما من كان على عكس هذه الصفات، فهو محروم من محبة الله تعالى وهدايته كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)(الأنفال: 58) ، (وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)(يوسف: 52) ، (وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)(آل عمران: 140) ، (وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(المائدة: 64) ، (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان: 18)
ولأهمية الأخلاق في نظر القرآن نجده يعتبرها ثمرة أساسية للعبادات المفروضة، مثل إقامة الصلاة، كما في قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)(العنكبوت: 45) ، ومثل إيتاء الزكاة، كما في قوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: 103) ، ومثل صيام رمضان، كما في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة: 183)
وفي قصص القرآن الكريم نجد عناية الرسل جميعا بغرس الفضائل، ومحاربة الرذائل في مجتمعاتهم، إلى جوار الدعوة إلى توحيد الله تبارك وتعالى.
فــ "هود" ينكر على قومه بطش الجبارين، وعيش المترفين.
وصالح ينهى قومه أن يطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
ولوط ينكر على قومه الشذوذ الجنسي، وابتكارهم الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين.
وشعيب يدعو إلى العدل الاقتصادي، وإصلاح المعاملات، وأن يوفوا الكيل، ويزنوا بالقسطاس المستقيم، وألا يبخسوا الناس أشياءهم ولا يعثوا في الأرض مفسدين.
وداود يؤمر أن يحكم بين الناس بالحق، ولا يتبع الهوى، فيضله عن سبيل الله.
ووصف الله أنبياءه بأوصاف وفضائل أخلاقية تجعلهم أسوة للناس، فقال عن نوح: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)(الإسراء: 3)
وعن إبراهيم: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (النجم: 37)
وعن إسماعيل: (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) (مريم: 54)
وعن يوسف: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(يوسف: 90)
وعن موسى – على لسان ابنة الشيخ الكبير-: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) (القصص: 26)
وعن داود: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 17)
وعن سليمان: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 30)
وعن يحيى: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) (مريم: 14)
وعن المسيح: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) (مريم: 32)
وعن إسماعيل وإدريس وذي الكفل قال: (كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ) (الأنبياء: 85)
وعن أيوب: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 44)
وقال على لسان كل من نوح وهود وصالح ولوط وشعيب: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (الشعراء: 107، 125، 143، 162، 178)
ثم قال عن خاتم رسله محمد: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم: 4) ، وقال له بعد ذكر ثمانية عشر رسولا: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: 90)