التعامل مع القرآن - خصائص القرآن (كتاب الدين كله)
الوصف
خصائص القرآن
كتاب الدين كله
والقرآن كذلك كتاب الدين كله، فهو عمدة الملة، وروح الوجود الإسلامي، منه تستمد العقيدة، وتؤخذ العبادة، وتلتمس الأخلاق، وتتوخى أصول التشريع والأحكام.
العقيدة في القرآن:
من أراد أن يعرف العقيدة الإسلامية نقية غير مشوبة، بينة غير غامضة، حية غير هامدة، مخاطبة للعقل وللقلب معا: فليعرفها من القرآن، ومن الخطأ الذي وقع فيه المتكلمون: اعتبارهم نصوص القرآن مجرد أخبار من الله تعالى، لا تحمل دلائل وبراهين عقلية، تقنع الطالبين للحق، وتفحم المجادلين بالباطل، مع أن القرآن حافل بهذه الدلائل.
وليس هذا بغريب من القرآن، فقد نزل يخاطب أصنافا شتى من البشر، منهم (الدهريون) ، الذين ينكرون وجود الخالق، ويقولون: (مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ)(الجاثية: 24)
ومنهم الذين يجحدون الآخرة والحساب والجزاء: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (الأنعام: 29)
ومنهم الذين يثبتون وجود الله وينكرون رسالات الرسل إلى خلقه: (إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) (الأنعام: 91) ـ ومن قال: (وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَنْزَلَ مَلاَئِكَةً)(المؤمنون: 24)
ومنهم الذين يجحدون رسالة محمد خاصة: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) (الرعد: 43) ، (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)(الحجر: 6)
وكان لا بد للقرآن أن يخوض معركة مع جميع هؤلاء، ليفضح أباطيلهم بحقه، ويرد على شبهاتهم بحججه، وأن يقيم البراهين العقلية على كل قضية من قضاياه.
القرآن هو الذي أقام البراهين على وجود الله تعالى، من خلق الكون، ومن خلق الإنسان، وناقش الجاحدين بالمنطق المقنع والمفحم: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ) (آل عمران: 190) ، (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ) (ق: 6-8)
وأقام القرآن البراهين على عقيدة التوحيد، وهو جوهر العقيدة الإسلامية: (توحيد الربوبية) ، و(توحيد الألوهية) .
فأما توحيد الربوبية، فقد أقر به المشركون أنفسهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(العنكبوت: 61)
(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُّخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُّدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ)(يونس: 31)
ويقيم القرآن الأدلة على التوحيد بصور شتى:
منها قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22)
وقوله سبحانه: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون: 91)
وقوله عز وجل: (قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء: 42)
والقرآن يتخذ من توحيد الربوبية دليلا على التوحيد الآخر، وهو (توحيد الألوهية) الذي بعث به رسله، وأنزل به كتبه. وهو أن الله وحده هو المستحق للعبادة لا شريك له، فما داموا يقرون بأن الله هو الرب الخالق الرازق، المحيي المميت، المدبر للأمر كله، فالواجب أن تتجه العبادة إليه وحده، ولا يشرك به أحد ولا شيء. فبعد تقريرهم بربوبية الله تعالى وخالقيته للكون والإنسان، يقول لهم: (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ)(يونس: 3) ، (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ)(الأنعام: 102)
ويعرض القرآن حقيقة التوحيد بعناصرها الثلاثة: ألا تبغي غير الله رَبًّا، ولا تتخذ غير الله وَلِيًّا، ولا تبتغي غير الله حكما، كما بينتها سورة التوحيد (سورة الأنعام) .
كما يعرض لأسماء الله تعالى الحسنى، وصفاته العلا، بمناسبتها المختلفة، فيربط القلب بالله تعالى ربطا محكما مؤثرا، بحيث يحبه ويأنس إليه، ويطمئن بذكره، ويتوكل عليه، ويرجوه ويخشاه، ويعبده كأنه يراه سبحانه، فإن لم يكن يراه، فإن الله يراه.
ويعرض القرآن لقضية النبوة والرسالة والرسل، الذين هم سفراء الله إلى خلقه، وإمكان الوحي الذي استبعده بعض الناس، وما هو ببعيد ولا عجيب: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ) (يونس: 2)
كما رد القرآن على الذين أنكروا أن يكون الرسول بشرا، مبينا أن الحكمة من ذلك أن يكون بشرا مثلهم، يفهمون عنه، ويأنسون إليه، ويأتسون به، كما قال الله تعالى: (قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولاً) (الإسراء: 95)
كما بين القرآن الحكمة من إرسال الرسل، بين وظيفتهم في مثل قوله تعالى: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165) وقوله (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: 25)
وكذلك بين القرآن – من خلال قصص المرسلين- أن الرسل جميعا كانوا دعاة إلى التوحيد، ومقاومة الشرك الذي جنى على عقول البشر وسلوكهم، وأفسد حياتهم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)(الأنبياء: 25) (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: 36)
كما بين القرآن أن الأنبياء وقفوا ضد الفساد في مجتمعاتهم، سواء كان فسادا اقتصاديا أم سياسيا أم أخلاقيا، كما رأينا في قصص هود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام: هود وقف في وجه بطش الجبارين، الذين يبنون بكل ريع آية يعبثون، وصالح وقف في وجه المسرفين (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ) (الشعراء: 152) ، ولوط وقف في مواجهة الشاذين، الذين استحلوا فاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين، وشعيب واجه التجار الجشعين، المطففين في الكيل والميزان، والذين يبخسون الناس أشياءهم ويعثون في الأرض مفسدين. وموسى واجه التأله الفرعوني، والتسلط الهاماني، والبغي القاروني، ودعا إلى تحرير قومه من نير هذا الثالوث.
وكذلك أقام القرآن البراهين المتنوعة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، من مثل شهادة الله تعالى بصدقه، وذلك بنصره وتأييده بالآيات البينات، وشهادة علماء أهل الكتاب له مثل عبد الله بن سلام، وإنزال القرآن المعجز عليه، وغير ذلك من الدلائل.
اقرأ قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (الرعد: 43) ، (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) (العنكبوت: 51) ، (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ (44) لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)(الحاقة: 44- 47)
وكذلك عرض القرآن قضية الجزاء والدارالآخرة عرضا رد عنها – بالحق – ما لحق بها من أباطيل ألصقتها بها الأديان الوضعية والمحرفة، فالموت ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لحياة برزخية فيها نعيم وعذاب يبدأ من بعد الموت، كما قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الأنعام: 93)
وفي موعد لا يعلمه إلا الله تقوم الساعة، ويموت الخلق جميعا، ثم يبعث الله الناس من الأجداث كأنهم جراد منتشر، خاشعة أبصارهم، وجلة قلوبهم: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (عبس: 34- 37)
هناك تنصب الموازين، وتنشر الدواوين، ويقرأ كل امرئ كتابه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)(الإسراء: 13، 14) هناك لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، هناك توفى كل نفس ما كسبت، وتجزى بما عملت، حسبما يحكم ميزان الحسنات والسيئات للمرء أو عليه: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين )(الأنبياء: 47)