التعامل مع القرآن - خصائص القرآن (هل كل القرآن حمال أوجه)
الوصف
خصائص القرآن
هل كل القرآن حمال أوجه؟
كما تمسك بعض الناس بالكلمة التي رويت عن الإمام علي كرم الله وجهه، حين وجه ابن عباس رضي الله عنهما لمحاجة الخوارج، فقال له: لا تجادلهم بالقرآن، فإنه حمال أوجه، وخُذْهُمْ بِالسُّنَنِ، ولا أدري مدى صحة نسبة هذه الكلمة إلى علي، فقد بحثت عنها في مظان كثيرة فلم أجدها بهذه الصيغة، رغم اشتهارها، ولكن الشهرة ليست دليل الصحة.
اتخذ بعض الناس من كلمة أمير المؤمنين عَلِيٍّ تكأة يعتمدون عليها في دعوى عريضة: أن القرآن كله يحتمل تفسيرات مختلفة، وأفهاما متباينة، بحيث يمكن أن يحتج به على الشيء وضده!!
ولو صح ما ادعوه على القرآن الكريم، لم يكن هناك معنى لإجماع الأمة بكل طوائفها على أن القرآن هو المصدر الأول للإسلام عقيدة وشريعة.
ولم يكن هناك معنى لوصف الله تعالى القرآن بأنه: (نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) (المائدة: 15) ، (قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) (النساء: 174) ، (هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185) ، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: 89) ، (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(النحل: 64) ، إلى غير ذلك من الآيات التي استفاضت في هذا المعنى.
فكيف يكون الكتاب المبين، التبيان، الهدى، البينة، الفرقان، الرحمة، غامضا أو قابلا لأي تفسير يشرِّق صاحبه أو يغرب؟
وقد قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ) (النساء: 59)
وقد أجمع المسلمون على أن الرد إلى الله يعني: الرد إلى كتابه، وأن الرد إلى الرسول بعد وفاته يعني الرد إلى سنته.
فإذا كان الكتاب حمال أوجه - كما يقال – فكيف أمر الله تعالى برد المتنازعين إليه؟
وكيف يعقل أن يرد التنازع إلى حكم لا يرفع التنازع، بل هو نفسه متنازع فيه؟!
قد يكون هذا صحيحا بالنظر إلى الآيات (المتشابهات) التي تحتمل أكثر من فهم، وأحسب أن هذه هي التي قصدها علي رضي الله بكلمته إلى ابن عباس إن صحت عنه.
فالمنحرفون (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) دائما يعتمدون في استدلالاتهم على المتشابهات، ويعولون عليها. أما الآيات (المحكمات) ، اللاتي هن أم الكتاب وأصله ومعظمه – فهي العمدة في الفهم والاستنباط. وإليها ترد المتشابهات، وإليها يرجع المتنازعون في التفسير والاجتهاد. وفي ذلك يقول تعالى في سورة آل عمران: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ)(الآية: 7)
وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم"