التعامل مع القرآن - خصائص القرآن ( كتاب مبين ميسر )

التعامل مع القرآن - خصائص القرآن ( كتاب مبين ميسر )
472 1

الوصف

خصائص القرآن
  كتاب مبين ميسر 

ومن خصائص القرآن: أنه (كتاب مبين) ميسر للفهم والذكر، ليس ككتب الفلاسفة، التي تجنح إلى الإلغاز والتعقيد، حتى قال بعض المتفلسفين: إن الفلسفة إذا وضحت وأصبحت مفهومة، لم تعد جديرة بأن تسمى فلسفة!

وليس كالأدب الرمزي الذي يغلو في إخفاء الدلالة، والإفهام بالرمز، والإشارة البعيدة، وتغليف المعنى المراد بأغلفة شتى، تجعله عسير الفهم، عصي الإدراك على العقل العادي.

إن القرآن كتاب هداية، جاء يخاطب الكيان الإنساني كله بكلمات الله: يخاطب في الإنسان عقله وقلبه، حسه ووجدانه، فيضيء العقل، ويهز القلب، ويمتع الوجدان، ويحرك الإرادة، ويدفع إلى العمل.

وليس معنى هذا أنه ينزل إلى مستوى العوام والأغبياء من الناس ليفهمهم، كلا، إنه يخاطبهم بأرقى الأساليب، وأعمق المعاني، وأروع البيان، مما لا يطمع بشر أن يسمو إلى أفقه. ولكنه – مع هذا السمو البلاغي والبياني- مشرق كطلعة الصباح، سلس كالماء العذب الزلال، ميسر لكل من يريد أن يعقل ويدكر، كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)(القمر: 17، 22، 32، 40) (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(الدخان: 58)

إن الله أنزل هذا الكتاب لتعقل معانيه، وتفقه أحكامه، وتدرك أسراره، وتتدبر آياته.

ولهذا أنزله الله مبينا منيرا، لا غامضا ولا مغلقا، ولا ملغزا ولا معقدا، يقول تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(يوسف: 2) (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (فصلت: 3) ، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) (ص: 29)

ولكن الناس ليسوا سواء في فهم القرآن والاستنباط منه، فكل يأخذ من القرآن على قدر ما يتسع له واديه: (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)(الرعد: 17) ، وقد قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ) (العنكبوت: 43)

وليس في القرآن أسرار خاصة محجوبة عن أهل العلم، ولا بواطن خفية لا يصل إليها إلا أناس يزعمون أنهم متميزون عن سائر البشر، تفتح لهم وحدهم المغاليق، ويفسح لهم – دون غيرهم – الطريق.

فما زعمه (الباطنية) من معان للقرآن مخالفة لما تدل عليه لغة العرب، وما فهمه منه الصحابة وتابعوهم بإحسان، وما استنبطه منه علماء الأمة في خير قرونها: هو ضلال مبين، وزيغ عن الصراط المستقيم، واتباع لغير سبيل المؤمنين.

ومثل ذلك: ما ادعاه المنحرفون من الصوفية، الذين شابهوا هؤلاء الباطنية في زعم أن لكل حرف في القرآن ظهرا وبطنا، وذكروا في ذلك حديثا رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد بين الأئمة المحققون أن هذا الحديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن رواه ابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود مرفوعا:

"أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها، ظهر وبطن"

ولو سلمنا بصحة الحديث، فما معنى الظهر والبطن، أو الظاهر والباطن؟

فهناك من قال: إن ظاهرها لفظها، وباطنها تأويلها.

ومن قال: إن القصص ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، وباطنها عظة للآخرين.

ومن قال: ما من آية إلا عمل بها قوم، ولها قوم سيعملون بها.

وقال الطبري: ظهره: الظاهر في التلاوة، وبطنه: ما بطن من تأويله، وهو القول الأول.

وعلق على ذلك محققه العلامة محمود محمد شاكر حفظه الله، فقال: الظاهر: هو ما تعرفه العرب من كلامها، وما لا يعذر أحد بجهالته من حلال وحرام، والباطن: هو التفسير الذي يعلمه العلماء بالاستنباط والفقه. ولم يرد الطبري ما تفعله الطائفة الصوفية وأشباههم في التلعب بكتاب الله وسنة رسوله، والعبث بدلالات ألفاظ القرآن، وادعائهم أن لألفاظه (ظاهرا) هو الذي يعلمه علماء المسلمين، و(باطنا) يعلمه أهل الحقيقة فيما يزعمون.

وسنعود إلى هذا الأمر بتفصيل أوفى عند حديثنا عن فهم القرآن وتفسيره إن شاء الله.

ومما ينكر هنا: ما ذهب إليه بعض المتكلمين من اعتبار نصوص القرآن والسنة ظواهر لفظية أو سمعية، لا تفيد اليقين، لأنها مبنية على مقدمات ظنية، والمبني على المقدمات الظنية ظني، وبناؤها على المقدمات الظنية، لأنها مبنية على نقل اللغة، ونقل النحو والتصريف، وعدم الاشتراك، والمجاز والنقل، والإضمار، والتخصيص، والتقديم والتأخير، والنسخ، والمعارض العقلي، وهذه كلها ظنيات، فما بني عليها يكون ظنيا! كما قال الفخر الرازي وغيره.

وقد خصص شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الكبير (درء تعارض العقل والنقل) لنقض هذه الدعوى، بالأدلة العقلية والنقلية.

وقد اعترف الفخر الرازي في كتابه (المحصول في علم الأصول) بأن الدلائل اللفظية يمكن أن تقترن بها قرائن تفيد اليقين، سواء كانت تلك القرائن مشاهدة أم كانت منقولة إلينا بالتواتر.

كما ذكر في كتابه (الأربعين) قوله: "وأعلن أن هذا الكلام على إطلاقه – القول بظنية الظواهر السمعية – ليس بصحيح، لأنه ربما اقترن بالدلائل النقلية أمور عرف وجودها بالأخبار المتواترة. وعلى هذا التقدير تكون الدلائل السمعية المقرونة بتلك القرائن الثابتة بالأخبار المتواترة مفيدة لليقين". أ. ه

وإني لأعجب غاية العجب من هؤلاء المتكلمين –ومنهم الإمام الرازي – الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن عقائد الإسلام، أمام الفلاسفة والمبتدعين – أو هكذا أعلنوا عن أنفسهم، كيف يقولون مثل هذا القول عن آيات القرآن الذي وصفه الله بأنه بيان ونور، وبينة وهدى، وشفاء ورحمة: (فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ)(الأنعام: 157) ، (هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة: 185) ، (وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ) (يوسف: 111)

فإذا كانت الاحتمالات العشرة التي ذكروها قائمة في كل آية من آياته، فأين بيانه وبينته وهداه وشفاؤه؟!