التعامل مع القرآن - خصائص القرآن (الآيات (المعجزات) نوعان: حسية ومعنوية)
الوصف
خصائص القرآن
الآيات (المعجزات) نوعان: حسية ومعنوية
ولقد علمنا أن الآيات والمعجزات التي أيد الله بها رسله نوعان:
نوع حسي مادي، يدرك بالحس، ويشاهد بالعين، وآيات الأنبياء السابقين التي ذكرها القرآن من هذا النوع، كناقة صالح، وعصا موسى، وفهم سليمان للغة الطير، وإبراء عيسى الأكمه والأبرص، وإحيائه الموتى بإذن الله، ونحو ذلك.
والنوع الثاني: أدبي عقلي، كالقرآن الكريم، المعجزة الكبرى لمحمد صلى الله عليه وسلم فهو معجزة معنوية لا مادية، وآية عقلية لا حسية.
والفرق بين النوعين:
1- أن الأول يعتمد على إدهاش الأبصار، وإخضاع الأعناق، بما يعجزهم من الخوارق المادية. والثاني يعتمد على إخضاع العقول، وإنارة البصائر، بما يعجزهم من العلم والحكمة.
ولهذا كان الأول لائقا بالأمم في طفولة النوع الإنساني، والثاني لائقا بها بعد أن ارتقت الإنسانية وبلغت رشدها. وفي هذا قال القرآن: (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)(الشعراء: 4) ، لكن اقتضت حكمته ألا يشاء ذلك.
2- أن النوع الأول ينتهي بانتهاء وقوعه، ولا يكون حجة إلا على من شاهده أو وصل إليه بالتواتر القطعي، وأما الثاني فيبقى ويستمر إعجازه إلى ما شاء الله.
ولما كانت الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، أيد الله الرسول المبعوث بها، بآية أو بمعجزة أدبية باقية ما بقيت السموات والأرض، لتظل حجة قائمة على العالمين في كل زمان، مخاطبة للعقول، متحدية المعارضين.
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم:
"ما من نبي من الأنبياء إلا أوتي من الآيات ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"
متفق عليه.
وفي ذلك يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته (نهج البردة) :
جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم
آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم
3- أن الآية – أو المعجزة- الحسية المادية، تدل على صحة النبوة والرسالة، ولكن بأمر خارج عن الرسالة، فعصا موسى، غير ما جاء به في التوراة التي أنزلها الله عليه، وإبراء المسيح الأكمه والأبرص، غير ما جاء به في الإنجيل الذي أنزله الله عليه.
أما المعجزة العقلية، فتدل على صحة الرسالة بموضوع الرسالة ذاتها، فالقرآن آية محمد الكبرى، ومعجزته العظمى، وهو – في الوقت ذاته- دستور رسالته، وموضوع هدايته. ولذا قال تعالى: (فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ)(الأنعام: 157) فالقرآن في نفسه بينة على نبوة محمد، وهو في ذات الوقت هداية ورحمة.
وفي المفاضلة بين النوعين من الآيات أو المعجزات: المادي والعقلي، يقول الفيلسوف ابن رشد ما ملخصه: إن دلالة القرآن (على نبوة محمد) صلى الله عليه وسلم ليست كدلالة انقلاب العصا حية (على نبوة موسى) ولا إحياء الموتى وإبراء المرضى (على نبوة عيسى) ، فإن تلك – وإن كانت لا تظهر إلا على أيدي الأنبياء، وفيها ما يقنع الجماهير من العامة – إلا أنها مقطوعة الصلة بوظيفة النبوة، وأهداف الوحي، ومعنى الشريعة.
أما القرآن فدلالته على صحة النبوة، وحقية الدين، مثل دلالة الإبراء على الطب، ومثال ذلك: لو أن شخصين ادعيا الطب، فقال أحدهما: الدليل على أني طبيب: أني أطير في الجو... وقال الآخر: دليلي أني أشفي الأمراض، وأذهب الأسقام، لكان تصديقنا بوجود الطب عند من شفى الأمراض قاطعا، وعند الآخر مقنعا فقط! أ.ه.
ومن هنا نفهم الحكمة الإلهية في عدم استجابة الله تعالى لمقترحات المشركين الذين طلبوا من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خوارق حسية وآيات مادية، مثل الرسل السابقين، فأبى الله تعالى إلا هذا القرآن، وأنكر عليهم أن يسألوا آية غيره، وهو آية الله الكبرى لو كانوا يعقلون، يقول تعالى: (وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(العنكبوت: 50، 51)
بلى، وإن القرآن لكاف كل الكفاية لقوم يعقلون.