التعامل مع القرآن -خصائص القرآن ( موقف المستشرقين والمبشرين من إلهية القرآن)
الوصف
خصائص القرآن
موقف المستشرقين والمبشرين من إلهية القرآن
وللغربيين موقف من القرآن يكاد يكون عاما بينهم، وهو: إنكار نَسَبَهُ الإلهي، واعتباره كتابا بشريًّا، من صنع محمد وتأليفه:
ومنهم من زعم أن محمدا اختلق هذا القرآن اختلاقا، وافتراه من عند نفسه، ثم نسبه إلى الله تعالى عمدا وكذبا!
ومنهم من قال: إنه اقتبسه من كتب اليهود والنصارى: التوراة والإنجيل!
ومنهم من قال: إنه لم يختلقه عمدا، بل خيل إليه أنه يوحى إليه ويكلم من الله، وهو في الواقع صادر من داخل نفسه، لا من مصدر خارج عنه، وهو ما يسمونه (الوحي النفسي) وهو ما رد عليه الشيخ رشيد رضا بكتابه الشهير (الوحي المحمدي) الذي جدد فيه التحدي بالقرآن.
إلى غير ذلك من الدعاوي التي ادعوها على محمد (الصادق الأمين) كما كان قومه يسمونه، قبل بعثته عليه الصلاة والسلام، فما جربوا عليه كذبا قط، وما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى، كما قال (هرقل) إمبراطور الروم بعد أن وصلته رسالة محمد يدعوه فيها إلى الإسلام، وجاء بجماعة من قومه ومن خصومه، فسألهم جملة من الأسئلة الدقيقة الذكية، عرف من أجوبتها أن محمدا هو النبي المنتظر الذي بشر به المسيح، وأنه لو كان عنده لغسل عن قدميه، ولكن من حوله لم يوافقوه على اتجاهه، فآثر إرضاءهم، وغلب حب ملكه على الإسلام.
المهم أن هرقل سألهم: هل جربتم عليه كذبا؟ فقالوا: ما جربنا عليه كذبا، فقال: ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله!
وهذه الدعاوي أو التهم التي يرددها المبشرون والمستشرقون اليوم، أشبه بالتهم التي كان يرددها كفار قريش الوثنيون، ورد عليها القرآن في حينها، كما في قوله سبحانه:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(الفرقان: 4-6)
وأحيانا يتحيرون في حقيقة هذا القرآن، وحقيقة من جاء به، وينتقلون من دعوى إلى أخرى في الحال، لا يثبتون على شيء منها، كما قال تعالى: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ)(الأنبياء: 5) ثم غلبهم القرآن بحججه وبيناته، فأذعنوا له، وآمنوا به، وتركوا العناد والكبر وتقليد الآباء، واتباع الأهواء، وقالوا: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)(آل عمران: 193) وغدا أعداء القرآن بالأمس أنصاره اليوم، وأصبح القرآن ربيع قلوبهم، ونور صدورهم، وقرة أعينهم.
وقد يجد المرء بعض العذر للماديين من الغربيين الذين لا يؤمنون بما وراء الطبيعة المادية المحسة، فهم لا يؤمنون بوجي ولا نبوة، بل لا يؤمنون بإله للكون، ولا بروح للإنسان، فلا عجب أن يجحدوا بكل كتاب أنزل، ويكفروا بكل نبي أرسل، فهم يدخلون تحت قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) (الأنعام: 91)
فهؤلاء منطقيون مع فلسفتهم المادية الجاحدة، إذا أنكروا نبوة محمد وأصروا على بشرية القرآن.
أما الذي لا ينقضي عجب الإنسان من موقفهم، فهم المبشرون والمستشرقون الذين يؤمنونبنبوة موسى وعيسى، ويؤمنون بإلهية التوراة والإنجيل، وأنهما كتابان من عند الله، مقدسان. مع ما دخل على التوراة من تحريف وتبديل، فقد فقدت التوراة الأصلية حين حرقها البابليون في غزوهم لبني إسرائيل، وظلت مفقودة عشرات السنين، ثم جاء (عزرا) فكتبها من حفظه، ومما سمعه ممن حوله، فشابها ما شابها من الأوهام والأغلاط والتحريفات اللفظية والمعنوية.
وقد تجسد هذا فيما نلحظه في أسفار التوراة الحالية: من تشويه لحقيقة (الإله) الخالق، الذي يجب أن يتصف بكل كمال، ويتنزه عن كل نقص. فالتوراة تصفه – كما في سفر التكوين – بالجهل والعجز والندم والحسد ونحوها من صفات البشر المخلوقين الناقصين.
ومثل ذلك: تشويه صورة الرسل والأنبياء، الذين بعثهم الله هداة ومعلمين للناس، وجعلهم أسوة حسنة لهم، يقتبسون من هديهم، كما يتعلمون من كلامهم. فقد نسبت إليهم التوراة من النقائص وسوء السلوك ما لا يصدر إلا من أراذل الناس.
وفي التوراة الحالية: تعاليم غريبة، مثل محاكمة الحيوان الأعجم وعقوبته، ومثل التفرقة بين الناس بسبب عروقهم وأجناسهم، وتفضيل بعضهم على بعض، بل استعباد بعضهم لبعض، مثل (شعب كنعان) الذي يجب أن يعيش أبدا معبدا لبني إسرائيل!
هذا في شأن التوراة: أما الإنجيل الذي أنزله الله على المسيح عليه السلام، فلا يعرف ولا يوجد في أي مكان، وإنما الذي وجد: سير كتبها بعده بزمن غير يسير: بعض تلاميذه مثل متى، أو تلاميذ تلاميذه، بلغة لا توجد منها نسخة أصلية، إنما توجد ترجمات لها بلغات أخرى، وقد اختير من بين سبعين إنجيلا كانت موجودة: أربعة منها، هي التي اعترفت بها الكنيسة، وألغت ما عداها، وفي هذه الأناجيل من الاختلاف والتناقض بين بعضها وبعض، وبينها في أنفسها: ما يعلمه الدارسون المتخصصون، وألفت فيه الكتب.
فأين هذه التوراة القائمة، وهذا الإنجيل القائم اليوم، من القرآن الحكيم، الذي لا يجرؤ امرؤ على أن يزيد عليه حرفا أو ينقص منه حرفا؟ وقد تولى الله تعالى حفظه بنفسه، كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر: 9) كما سنبين ذلك عما قريب.
وأين ما تضمنته التوراة والإنجيل مما تضمنه القرآن من عقائد وعبادات، ومعارف ومفاهيم، وقيم وأخلاق، وتشريعات ومعاملات، وأنباء عن عالم الغيب وعالم الشهادة ولفت الأنظار إلى آيات الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس؟
لا يستطيع عاقل أن يقارن بين الكتابين السابقين في وضعهما الحالي (التوراة والإنجيل) وبين القرآن: الكتاب الخالد المبين: في التوجهات، وفي الموضوعات، وفي الصياغة والأسلوب، في الشكل والمضمون والـتأثير، إلا أن ينشد ما قاله البوصيري قديما في بردته:
لا تعجبن لحسود راح ينكرها تجاهلا، وهو عينُ الحاذق الفهم!
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم!