نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثامن والثمانون ( في مشروعية الطلاق السني وبيان العدة وعدم إخراج المطلقة من البيت حتى تنتهي عدتها)
الوصف
النداء الثامن والثمانون
في مشروعية الطلاق السني وبيان العدة وعدم إخراج المطلقة من البيت حتى تنتهي عدتها إلا أن تؤذى ومشروعية الإشهاد على الطلاق والرجعة
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يَتَعَدَّحُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ﴾
* المعنى الإجمالي:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء يحمل أحكاما شرعية لا بد للمؤمن من معرفتها والتقيد بها، واعلم أن النداء وإن كان موجها أولا للنبي صلى الله عليه وسلم فهو لأمته صلى الله عليه وسلم وإنما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم لشرفه وعلو مقامه. حتى يسهل على المؤمنين تطبيق الأحكام التي تضمنها النداء وهي:
1- أن تطلق المرأة من أجل رفع الضرر عنها أو عن زوجها، وأن تطلق في طهر لم يجامعها فيه الزوج حتى لا تطول مدة عدتها فتتأذى بذلك. وهذا ما دل عليه قوله تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي لقبل عدتهن أي لأول عدتهن وذلك بأن يكون الطلاق في طهر لا في حيض، وأن يكون الزوج ما جامعها في ذلك الطهر بذلك تقصر مدة العدة وتقل وفي هذا الرحمة بالمؤمنات.
2- وجوب إحصاء العدة أي حفظ مدتها حتى يمكن للزوج أن يراجع فيها إن أراد المراجعة. وهذا معنى قوله تعالى: ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) وقوله تعالى: ( وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) أي خافوه فامتثلوا أوامره، وقفوا عند حدوده فلا تعتدوها.
3- لا يجوز إخراج المطلقة من بيت زوجها الذي كانت فيه حتى تنقضي عدتها لما في ذلك من إعطاء فرصة للزوج لعله يراجعها. اللهم إلافي ذلك من إعطاء فرصة للزوج لعله يراجعها. اللهم إلا أن تأتي المطلقة بفاحشة مبينة كزنا ظاهر، أو تكون بذيئة اللسان فتؤذي أهل البيت بأذى لا يطيقونه، ففي هذه الحال يجوز إخراجها من بيتها. دل على هذا قوله تعالى: (لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ) وقوله تعالى: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) أي المذكورات من الطلاق لأول الطهر وإحصاء العدة، وعدم إخراجهن من بيوتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. وقوله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّحُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي من يتجاوز حدود الله فلم يقف عندها فقد ظلم نفسه بذلك وتعرض لعقوبة الله تعالى عاجلا أو آجلا. وقوله تعالى: (لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) أي شرع الله تعالى ما شرعه من الطلاق في أول العدة، ومن عدم إخراج المطلقة من بيتها، ومن إحصاء العدة بمعرفة يوم وقع الطلاق فيه ومعرفة متى تنتهي. كل هذا من أجل أن يجعل الله تعالى في قلب المطلق رغبة في مراجعة مطلقته فيراجعها. بخلاف لو لم يضع الله تلك الحدود فإن الرجل قد يرغب في المراجعة ولا يقدر عليها.
4- إذا بلغت المطلقة أجلها أي قرب نهاية عدتها، هنا على الزوج أن يراجع فيمسكها بمعروف وإحسان لا إنه يراجعها يمكر بها ويؤذيها انتقاما منها، أو يفارقها بمعروف، فيعطيها باقي مهرها أن بقي منه شيء، وأن يمتعها بشيء، وأن لا يذكرها بسوءأبدا. دل على هذا قوله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
5- كما يشهد الزوج على الزواج يشهد على الطلاق وعلى الرجعة أيضا إلا أن الإشهاد على عقد النكاح بدونه، وأما في الطلاق والرجعة فهو مطلوب ولكن ليس واجبا، وليكن الشهود عدولا والعدل من لم يعرف بكبيرة من كبائر الذنوب دل على هذا قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ) أي اعدلوا فيها ولا تجوروا أو تحيفوا ولتكن شهادتكم لله تعالى لا للمشهود عليه ولا للمشهود له. بل لله وحده لا شريك له. وقوله تعالى: (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ) إن هذه الأحكام المذكورة يؤمر بها ويطبقها عبد يؤمن بالله واليوم الآخر. أما غيره فما هو بأهل لذلك؛ لأنه كافر والكافر ميت، وفي هذا حث وحض على تطبيق هذه الأحكام المتعلقة بالطلاق لما فيها من الخير لكل من المطلق والمطلقة.
هذا واعلم أن هناك خلاصة لما تقدم فخذها بعناية وهي:
1- السنة في الطلاق أن يكون في طهرر لم يمسها فيه، وأن يكون بلفظ واحد لا بالثلاث.
2- أن العدد أربع: عدة من تحيض فهي ثلاثة قروء أي حيضات، وعدة من لا تحيض لكبر أو صغر وهي ثلاثة أشهر، وعدة الحامل وهي وضع حملها ولو يوما وليلة، وعدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرا.
3- الطلاق في الحيض وفي طهر جامعها فيه طلاق بدعي كثير من أهل العلم لا يعدونه طلاقا.
4-الطلاق قبل الدخول لا عدة فيه على المطلقة، لقول الله تعالى: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) وقد مضى هذا في نداء من نداءات سورة الأحزاب فارجع إليه.
* أسباب النزول :-
ورد في سنن ابن ماجه عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عباسٍ عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها. وروى قتادة عن أنسٍ قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى عليه: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن).
وقيل له: راجعها فإنها قوامةٌ صوامةٌ، وهي من أزواجك في الجنة. ذكره الماوردي والقشيري والثعلبي. زاد القشيري: ونزل في خروجها إلى أهلها قوله تعالى: (لا تخرجوهن، من بيوتهن).
وقال الكلبي: سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة، لما أسر إليها حديثًا فأظهرته لعائشة فطلقها تطليقةً، فنزلت الآية.
وقال السدي: نزلت في عبد الله بن عمر، طلق امرأته حائضًا تطليقةً واحدةً فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر وتحيض ثم تطهر، فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها. فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء.
وقد قيل: إن رجالًا فعلوا مثل ما فعل عبد الله بن عمر، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن سعيد بن العاص، وعتبة بن غزوان، فنزلت الآية فيهم. قال ابن العربي: وهذا كله وإن لم يكن صحيحًا فالقول الأول أمثل. والأصح فيه أنه بيانٌ لشرعٍ مبتدأٍ. وقد قيل: إنه خطابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته.
* ما يستفاد من الآيات
1 - ضرورة امتثال أموار الله في الطلاق والعدة
2 – إمساك المطلقة في مدة العدة في بيت زوجها والنفقة عليها.
3- عدم إخراج المطلقة من بيتها مدة العدة إلا إذا ارتكبت الفاحشة مع وجود البينة المؤكدة
4 – حرص الإسلام على حسن العشرة والمعاملة بين الزوجين حال استمرار الزوجية أو عند الطلاق والفراق