نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الرابع والثمانون (وجوب نصرة دين الله )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الرابع والثمانون (وجوب نصرة دين الله )
263 0

الوصف

 النداء الرابع والثمانون

 وجوب نصرة دين الله  

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (الصف: 14). 

*  الموضوع:

في وجوب نصرة دين الله وأهله، كما نَصَرَ الحواريون دينهم. 

*  معاني الكلمات:

 (كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ): أي تنصروا دينه ونبيه وأولياءه. 

 (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ): أي فكونوا أيها المؤمنون مثل الحواريون. وهم الحواريون هم أصحاب عيسى، وهم أول من آمن به، وكانوا اثنى عشر رجلًا. 

 (فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ): أي بعيسى عليه السلام. 

 (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ): فاقتتلت الطائفتان، فنصرنا وقوينا الذين آمنوا. 

 (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ): أي غالبين عالين. 

*  بين يدي الآية

اذكر أيها القارئ الكريم أن الله تعالى لا ينادي عباده المؤمنين به وبلقائه وبرسوله وما جاء به من الدين الحق ويدعو إليه، لا يناجيهم إلا ليأمرهم أو ينهاهم أو يبشرهم، أو ينذرهم أو يعلمهم ما ينفعهم وهذا مقتضى الولاية التي بينهم وبينه سبحانه وتعالى، فلذا لا يأمرهم إلا بما يزكي أنفسهم، ولا ينهاهم إلا عما يدسي أنفسهم، ولا يبشرهم إلا بما يزيد في طاقة إيمانهم بعد شرح صدورهم وذهاب الغم والهم عنهم وإبعاد الحزن والخوف عنهم، إذ أولياؤه نفى عنهم الخوف والحزن في الحيوات الثلاث: الحياة الدنيا، وحياة البرزخ – وهي الحياة بين الحياتين الأولى الفانية والآخرة الخالدة – والحياة الآخرة وهي الخالدة الباقية. في قوله تعالى: (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ) وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بشرى الحياة الدنيا، وأنها الرؤيا الصالحة يراها أو ترى له. 

*  المعنى الإجمالي:

يقول سبحانه وتعالى يا أيها الذين صدقوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم دوموا على ما أنتم عليه من نصرة دين الله وتأييد شرعه ورسوله صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال بالأقوال والأفعال والأنفس والأموال، واستجيبوا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، كما استجاب الحواريون أصفياء المسيح وخلصاؤه لعيسى حين قال لهم: من الذي ينصرني ويعينني في الدعوة إلى الله عز وجل، ومن منكم يتولى نصري وأعانني فيما يقرب إلى الله وإلى نصرة دينه، قال الحواريون وهم أنصار المسيح وخلص أصحابه وأول من آمن به، وكانوا اثني عشر رجلًا: نحن أنصار دين الله ومؤيدك ومؤازروك فيما أرسلت به، فبعثهم دعاة إلى دينه في بلاد الشام في الإسرائيليين واليونانيين. 

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي في أيام الحج "من رجل يؤويني حتى أُبَلِّغَ رسالة ربي، فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي". "حتى قيض الله الأوس والخرزج من أهل المدينة، فبايعوه على نشر دينه في بلدهم. 

 (فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ) أي لما بلغ عيسى رسالة ربه إلى قومه، وآزره الحواريون اهتدت طائفة من بني إسرائيل إلى الإيمان الحق، وآمنوا بعيسى على حقيقته أنه عبد الله ورسوله، وضلت طائفة أخرى، وكفرت بعيسى وجحدوا نبوته، واتهموه وأمه بالفاحشة، وتغالت جماعة أخرى من أتباعه، حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة، فوصفوه بأنه ابن الله أوهو وثالث ثلاثة –الأب –الابن –وروح القدس، وصارت النصارى فرقًا وأحزابًا كثيرة، تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا. 

قال ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة: 17)، و ( َلقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) (المائدة: 73)، تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علوًا كبيرًا. قال: وكان أول كلمة نطلق بها وهو صغير في المهد أن قال: إني عبد الله، ولم يقل: إني أنا الله. ولا ابن الله. بل قال: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (مريم: 30)، إلى أن قال... (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (آل عمران: 51)، وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمرًا لهم بعبادة ربه وربهم وحده لا شريك له، ولهذا قال تعالى: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: 72)، (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) أي فنصرنا المؤمنين على من عاداهم من فرق النصارى، وقوينا المحقين منهم بالحجة منهم بالحجة والروح من عندنا على المبطلين، فأصبحوا عالين غالبين عليهم، كما قال تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) (غافر: 51). 

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ) قال: قد كان ذلك بحمد الله، جاءه سبعون رجلًا فبايعوه عند العقبة، وآووه ونصروه حتى أظهر الله دينه. 

وأخرج ابن إسحاق وابن سعد قال رسول الله للنفر الذين لقوه بالعقبة: أخرجوا إلى اثنا عشر منكم، يكونون كفلاء على قومهم، كما كفلت الحواريون عيسى ابن مريم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء: "إنكم كفلاء على قومكم: ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل قومي. قالوا: نعم..."   

  *  ما يستفاد من الآيات:

الأمر بنصرة الدين، كما نصر الحواريون دينهم.