نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثالث والثمانون ( التجارة الرابحة )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثالث والثمانون ( التجارة الرابحة )
301 0

الوصف

  النداء الثالث والثمانون

 التجارة الرابحة  

قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (الصف: 10-12). 

  * موضوع الآيات:

 التجارة الرابحة.  

* معانى الكلمات:

 (هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ): أرشدكم إلى تجارة رابحة، التجارة هنا هي العمل الصالح –وهي في الأصل تداول البيع والشراء لأجل الكسب. 

 (تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ): أي الربح فيها هو نجاتكم من عذاب مؤلم. 

 (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ): أي تصدقون بالله ربًّا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا. 

 (وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ): أي تبذلون أموالكم وأرواحكم جهادًا في سبيل الله. 

 (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ): أي ما ذكر من الإيمان والجهاد. 

 (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ): أي إن كنتم من أهل العلم. 

 (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ): ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عندن –أي هذا هو الربح الصافي مقابل ذلك الثمن الزائل الذي هو المال والنفٍس. 

 (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ): أي النجاة من العذاب الأليم، ثم دخول الجنة والظفر بما فيها من النعيم المقيم، هو حقًا الفوز العظيم. 

  * سبب النزول:

 (هَلْ أَدُّلُّكمْ) .. الآية: أخرج ابن جرير عن أبي صالح قال: قالوا: لو كنا نعلم أي الأعمال أحب إلى الله وأفضل فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ... فكرهوا الجهاد فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2). 

وقوله: (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِه): أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ) ... الآية قال المسلمون: لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والأهلون. فنزلت: (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ... الآية. 

  المناسبة بين آيات السورة:

لما بين الله تعالى أن المشركين يريدون إطفاء نور الله أمر المؤمنين بمجاهدة أعداء الدين، ودعاهم إلى التضحية بالمال والنفس والجهاد في سبيل الله، وبين لهم التجارة الرابحة لمن أراد سعادة الدارين. 

*  المعنى الإجمالي:

في هذه الآيات عرض وترغيب، وتشويق إلى ما يذكر بعده كقول المرء للآخر: هل لك في كذا، أو هل لك إلى كذا فالاستفهام في هذا النداء هو: هل أدلكم على تجارة وصفها كذا... من هذا الباب وذلك لأنهم قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لفعلناها. فناداهم الرب تبارك وتعالى قائلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من آمنتم بالله ولقائه، والقرآن وما فيه، والرسول محمد عليه الصلاة والسلام وما جاء به: (هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) وهو عذاب الدنيا من تسلط العدو عليكم وقهركم، ومن الفقر والخوف، ومن عذاب الآخرة وهو النار وبئس المصير، والعذاب هو كل ما يقطع عذوبة الحياة ولذاذتها، والأليم الموجع أشد إيجاع. بعد هذا الترغيب بين لهم ما يدفعونه من مال ليستلموا البضاعة فقال في بيان الثمن المطلوب للحصول على السلعة الغالية: (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي بألوهيته ولقائه ووعده ووعيده، وتؤمنون برسوله وما جاء به ويدعو إليه صلى الله عليه وسلم، (وَتُجَاهِدُونَ) أي أعداء الله تعالى وأعداءكم وهم كل مشرك وكافر يعلن الحرب عليكم، ويعاديكم ويعادي ربكم سبحانه وتعالى بأن يعبد غيره، ويتبع سبيلا غير سبيله. 

وقوله تعالى: (بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) قدم جهاد المال على جهاد النفس؛ لأن العدة مقدمة على من يحملها في هذا الباب، فالمال لإعداد عدة الحرب، والعدة سلاح على اختلافه وطعام وشراب ومركوب للغزاة المجاهدين، وثنى بجهاد النفس وهو بذل أقصى الجهد والطاقة البدنية. وقوله في سبيل الله وقدمه على المال والنفس إذ قال تعالى: (وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) لأن الجهاد إذا لم يرد به إعلاء كلمة الله، فهو لغير الله وهو باطل مذموم، والمراد من إعلاء كلمة الله أن يعبد الله وحده، ويحكم شرعه في عباده، ويرفع الظلم عن أوليائه وهم المؤمنون المتقون. وقوله عز من قائل: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يريد تعالى أن الدخول في هذه الصفقة التجارية خير لكم من تركها والإعراض عنها حرصا على بقائكم وبقاء أموالكم مع أنه لا بقاء لشيء في هذه الحياة الدنيا. بعد أن بين لهم الثمن وهو الإيمان والجهاد بين لهم الجزاء فقال: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) وأوقع بيان السلعة موقع الجزاء إذ قوله في بيان الثمن (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ ... ) إلخ فالفعلان مرفوعان، وفعلا البضاعة يغفر لكم ويدخلكم مجزومان على تقدير: إن تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار على تقدير إن تعطوا الثمن المطلوب تعطوا البضاعة الموضوعة لذلك والمهيأة له. 

وقوله تعالى: (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) هذا من أجزاء السلعة التي عرضت للبيع بثمن غال ألا وهو الإيمان والجهاد. الإيمان الحق والجهاد في سبيل الله تعالى لا غيره. 

وقوله تعالى في هذا النداء: (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي الحصول على السلعة المذكورة بالثمن المذكور هو الفوز العظيم، وخلاصة هذا الربح العظيم الذي لا يعادل ربح، والله إنه النجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار مع رضوان الرحمن. 

وهناك ربح دنيوي آخر ذكره تعالى في قوله: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)  

وهذا فائدة زائدة على السلعة وهي نصرهم على أعدائهم وأعداء ربهم وفتح قريب لأم القرى وغيرها من عواصم الدنيا. 

وختم (عز وجل) هذا الإنعام والإكرام بقوله: ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وبشر يا رسولنا الذين آمنوا بنا وبرسولنا وبدعوتنا بشرهم بحصول ما ذكرناه كاملا غير منقوص. وقد تم لهم كاملا والحمد لله، فقد نصرهم على أعدائهم وفتح لهم مكة وكثيرا من عواصم العالم كعاصمتي الفرس والروم. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- فضل الجهاد بالمال والنفس، وأنه أعظم تجارة رابحة في هذه الحياة. 

2- تحقيق بشرى الله سبحانه للمؤمنين التي أمر رسوله أن يبشرهم بها، فكان هذا دليلًا وبرهانًا ساطعًا على صحة الإسلام وسلامة دعوته وفوز أهله ونجاحهم، إذ هم أقاموه دينًا وعبدوا به الله تعالى عقائد وعبادات وآدابًا وأخلاقا وأحكامًا محققة للأمن والرخاء.