نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثمانون (حكم المهاجرات من دار الكفر إلى دار )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثمانون (حكم المهاجرات من دار الكفر إلى دار )
254 0

الوصف

  النداء الثمانون

  حكم المهاجرات من دار الكفر إلى دارالإسلام 

قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنْفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ (الممتحنة: 10-11). 

  * موضوع الآيات: 

حكم المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام. 

*  معاني الكلمات:

 (مُهَاجِرَاتٍ): من بلاد الكفار إلى بلاد الإسلام. 

 (فَامْتَحِنُوهُنّ): أي اختبروهن بالحلف: أنهن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام، لا بغضًا لأزواجهن ولا عشقًا لرجال من المسلمين. 

 (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ): أي هو سبحانه المطلع على ما في القلوب. 

 (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ): أي صادقات في إيمانهن بحسب حلفهن. 

 (فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ): أي لا تردوهن إلى الكفار بمكة. 

 (لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ): لا المؤمنات يحللن لأزواجهن الكفرة، ولا الكفار يحلون لأزواجهم المؤمنات. 

 (وَآتُوهُم مَّا أَنْفَقُوا): أعطوا الكفار ما أنفقوا لأزواجهن من المهور.  

 (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنْكِحُوهُنَّ): إذا آتيتموهن أجورهن أي لا إثم ولا حرج عليكم في الزواج بهن، فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار، وذلكبعد انقضاء العدة، وباقي شروط النكاح. 

 (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ): أي بعقد الزواج، والمراد نهي المؤمنين عن نكاح المشركات، سواء الباقيات على الشرك بعد إسلام الزوج، أو المرتدات اللاحقات بالمشركين. 

 (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ): أي طلبوا ما أنتفقتم عليهن من مهورهن في حال الارتداد. 

 (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا): وليطلبوا ما أنفقوا على المهاجرات من مهور أزواجهن في حال إسلامهن. 

 (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ): أي جميع ما ذكر في هذه الآية هو شرع الله. 

 (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ): يقضي بينكم. 

 (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ): بالغ العلم يشرع ما تقتضيه حكمته. 

 (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ): أي بأن فرت امرأة أحدكم إلى الكفار ولحقت بهم ولم يعطوكم مهرها فعاقبتم الكفار فغنمتم منهم غنائم. 

 (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنْفَقُوا): أي أعطوهم من الغنائم بدل الفائت عليهم من الكفار. 

 (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ): أي وخافوا الله الذي آمنتم به، فأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه. 

*  سبب نزول الآية:

نزلت الآيتان (10-11) بعد صلح الحديبية، إذ تضمنت وثيقة الصلح أن من جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من الرجال رده إلى مكة ولو كان مسلمًا. ومن جاءه من المشركين من المدينة لم يرده إليه. ولم ينص عن النساء، وأثناء ذلك جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة من مكة إلى المدينة، فلحق بها أخواها عماد والوليد، ليرداها إلى قريش، فنزلت هذه الآية الكريمة، ولم يردها صلى الله عليه وسلم عليهما. 

  * المناسبة:

بعد بيان أحكام العلاقات بين المسلمين وغيرهم في حال السلم أبان الله سبحانه حكم رد النساء المهاجرات من بلاد الكفر إلى ديار الإسلام. قال القرطبي رحمه الله: لما أمر الله المسلمين بترك موالاة المشركين اقتضى ذلك مهاجرة المسلمين عن بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة، فبين أحكام مهاجرة النساء. 

*  المعنى الإجمالي:

قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من آمنتم بالله رَبًّا وإلها، وبمحمد نبيا ورسولا، وبالإسلام دينا وشرعا حكيما، (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ) أي من دار الكفر إلى دار الإسلام (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) أي غلب على ظنكم أنهن مؤمنات (فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) وكيفية الامتحان هي أن يقال لها: احلفي بالله أي قولي بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت إلا رغبة في الإسلام لا بغضا لزوجي، ولا عشقا لرجل مسلم في هذه البلاد. 

وقوله تعالى: (لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وذلك لأن الإسلام فصم تلك العصمة التي كانت بين الزوج وزوجته، إذ حرم الله نكاح المشركات وإنكاح المشركين، ولهذا لم يأذن الله تعالى في ردهن إلى أزواجهن الكافرين. وقوله تعالى: (وَآتُوهُم مَّا أَنْفَقُوا) أي إذا جاء زوجها المشرك يطالب بها أعطوه ما أنفق عليها من مهر، والذي يعطيه هو إمام المسلمين أوجماعة المسلمين. 

وقوله تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنْكِحُوهُنَّ) أي تتزوجوهن (إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي مهورهن مع باقي شروط النكاح وهي: الولي فإن لم يكن لها ولي فالقاضي وليها أو ذو الرأي من عشيرتها إذا لم يوجد في البلد قاضي شرعي، وانقضاء عدتها إذا كانت مدخولا بها. وقوله تعالى: (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) أي إذا أسلم الرجل وبقيت امرأته مشركة انقطعت عصمة الزوجية بينهما وأصبحت لا تحل لزوجها الذي أسلم: وكذا إذا ارتدت امرأة مسلمة ولحقت بدار الكفر فإن العصمة قد انقطعت بينهما ولا يحل إمساكها، وفائدة ذلك أنها لوكان تحت الرجل نسوة له أن يزيد رابعة؛ لأن التي ارتدت أو التي كانت مشركة وأسلم وهي في عصمته لا تمنعه من أن يتزوج رابعة؛ لأن الإسلام قطع العصمة وذلك لقوله تعالى: (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) والعصم جمع عصمة والعصمة هي المانع من أن تتزوج المرأة زوجا آخر وهي في عصمة زوجها. وقوله تعالى: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ) أي اطلبوا من المرتدة ما أنفقتم عليها من مهر يؤدى لكم. (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) أي وليطلب أي المشركون ما أنفقوا من مهور على أزواجهن اللائي أسلمن وهاجرن إليكم. 

وقوله تعالى: (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أي فاقبلوه وارضوا به فإنه حكم عادل رحيم. 

وقوله تعالى: (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بخلقه وحاجاتهم، حكيم في قضائه عليهم وقد بينه لهم، فليسلم له الحكم وليرض به فإنه قائم على أساس المصلحة للجميع. 

وقوله تعالى في هذا النداء الكريم: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنْفَقُوا) أي وإن ذهب بعض نسائكم إلى الكفار مرتدات – والعياذ بالله- وطالبتم بالمهور فلم يعطوكم، ثم غزوتم وغنمتم فأعطوا من الغنيمة قبل قسمتها، أعطوا الذي ذهبت زوجته إلى دار الكفر ولم يحصل على تعويض، أعطوه مثل ما أنفق. 

وقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي خافوا عقابه فأطيعوه في أمره ونهيه ولا تعصوه. وطبقوا هذه الأحكام التي بينها لكم في هذا النداء حرفيا لما في ذلك من العدل والرحمة والخير الكثير. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- وجوب امتحان المهاجرة، فإن علم إسلامها فلا يحل إرجاعها إلى زوجها الكافر. 

2- حرمة نكاح المشركة غير أهل الكتاب. 

3- لا يجوز الإبقاء على عصمة الزوجة المشركة. 

4- من ذهبت زوجته ولم يرد عليه شيء، ثم غزوتم وغنمتم فأعطوه ما أنفق من مهر من الغنيمة مثل قسمتها، وإن لم يكن غنيمة فجماعة المسلمين وإمامهم يعطونه. 

5- وجوب تقوى الله تعالى بتطبيق شرعه، وإنفاذ أحكامه والرضا بها.