نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء الرابع والسبعون (وجوب تقوى الله )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء الرابع والسبعون  (وجوب تقوى الله )
374 0

الوصف

 النداء الرابع والسبعون

   وجوب تقوى الله  

قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾  (الحديد: 28-29). 

  * موضوع الآية:

وجوب تقوى الله سبحانه، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبيان الجزاء على ذلك. 

*  معاني الكلمات:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا): بالرسل المتقدمة أي بعيسى ابن مريم وموسى ومن قبله. 

 (اتَّقُوا اللهَ): فيما نهاكم عنه، أي خافوا عقاب الله. 

 (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ): بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعوه. 

 (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ): نصيبين، والكفل هو الحظ والنصيب، أي يعطكم نصيبين من الأجر مقابل إيمانكم بنبيكم وبمحمد صلى الله عليه وسلم. 

 (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ): أي في الدنيا تعيشون على هداية الله، وفي الآخرة تمشون به على الصراط. 

 (وَيَغْفِرْ لَكُمْ): الكفر والمعاصي. 

 (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ): أي لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ولا يستطيعون التصرف في أعظم فضله وهو النبوة. 

  * سبب النزول:

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: لما نزلت: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) (القصص: 54)... الآية، فخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لنا أجران، ولكم أجر: فأشتد ذلك على الصحابة رضي الله عنهم فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ) ... الآية، فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب وزادهم النور. 

  سبب نزول قول تعالى: ( لِئَلاَّ يَعْلَمَ)  

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: بلغنا أنه لما نزلت (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ) حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل الله (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ) . 

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: قالت اليهود: يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي والأرجل، فلما خرج من العرب كفروا، فأنزل الله: (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ) الآية، يعني بالفضل بالنبوة. 

  * المناسبة:

بعد بيان أن الله أرسل الرسل بِالْبَيِّنَاتِ والمعجزات – أوضح الله سبحانه أن الأجر والثواب واحد، لكل من آمن بالرسل المتقدمة، وأكمل إيمانه بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم. وأن النبوة فضل من الله ورحمة لا تختص بقوم دون قوم، فالله أعلم حيث يجعل رسالته، ولا يصح قول اليهود: إن الرسالة فينا دون غيرنا، وتزكية أنفسهم بقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه. ونحن شعب الله المختار. 

* المعني الإجمالي:

هذا النداء الإلهي موجه إلى مُؤْمِنِي أهل الكتاب من يهود ونصارى المدعين للإيمان الزاعمين أنهم مؤمنون بالله ولقائه، ناداهم بعنوان الإيمان، لأنهم زعموا أنهم مؤمنون وليسوا في حاجة إلى إيمان جديد يأتي من طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فأمرهم تعالى بتقواه، إذ المؤمن بالله حق الإيمان يتقي الله أي يخافه ويرهبه فيطيعه في أوامره بفعلها وفي نواهيه بتركها، ثم أمرهم بالإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، إذ هم به كافرون جاحدون غير معترفين بنبوته ورسالته العامة للناسكافة، فلذا أمرهم بالإيمان به نَبِيًّا ورسولا، ثم وعدهم إن هم آمنوا حق الإيمان فحملهم ذلك على طاعة الله ورسوله في الأمر والنهي، وعدهم بأنه يؤتهم أي يعطيهم كفلين أي نصيبين من رحمته ومثوبته لعباده المؤمنين، وذلك أن نصيبا وحظا من أجل إيمانهم بالأنبياء السابقين كموسى وعيسى عليهما السلام وغيرهما كإبراهيم ونوح وإسحاق ويعقوب ويوسف وداود عليهم السلام. ويجعل لهم نورا يمشون به في الدنيا وهو الهداية الإسلامية إذ الإسلام صراط مستقيم سالكه لا يضل ولا يشقى. ويمشون في الآخرة على الصراط إلى الجنة دار السلام. وهو معنى قوله تعالى في النداء: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) وشيء آخر هو أنه يغفر لهم ذنوبهم الماضية التي قبل الدخول في الإسلام، والحاضرة التي من الجائز أن يغشى المؤمن ذنبا من الذنوب وبالتوبة والاستغفار يغفر له، وإن لم يتب منه فإنه يغفر له يوم القيامة أو يؤاخذ به فيعذب في النار ويخرج منها بإيمانه وصالح أعماله. 

وقوله تعالى في ختام النداء (وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فهو إذا سينجز لكم ما وعدكم من مغفرة ذنوبكم الماضية والحاضرة ويرحمكم في الدنيا والآخرة؛ لأنه تعالى غفور لذنوب عباده إن تابوا إليه، رحيم بهم لا يعذبهم بدون ذنب اقترفوه، ولا سوء عملوه. ويشهد لصحته أن الكتابي إذا آمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ودخل في الإسلام يعطى أجره مضاعفا، وهو معنى (كِفْلَيْنِ) أي حظين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران". 

وهناك أيها القارئ الكريم تفسير لهذه الآية، وهو أنها لنا نحن المؤمنين من عرب وعجم ومن مشركين وأهل كتاب، فهي لكل مؤمن ومؤمنة بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، إذا فالنداء بعنوان الإيمان كغيره من نداءات الرحمن جميعها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ روي أن سعيد بن جبير قال: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى هذه الآية في حق هذه الأمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) أي نصيبين من رحمته. وزادهم (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) يعني هدى تبصرون به من العمى والجهالة ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ففضلهم بالنور والمغفرة. رواه ابن جرير. ومما يرجح هذا التفسير قوله تعالى بعد نهاية الآية: (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) واللام في لئلا صلة لتقوية الكلام، لذا قرأها ابن مسعود لكي يعلم. وهي قراءة بالمعنى لا غير.. إذ قوله تعالى: (لِئَلاَّ يَعْلَمَ .. ) إلى آخره، كأنه قال: أعطينا عبادنا المؤمنين الصادقين من غير أهل الكتاب هذا الذي أعطيناهم من مضاعفة الأجر والنور يمشون به، ليعلم أهل الكتاب المتبجحين أنهم لا يقدرون على منع شيء من فضل الله على أحد أراد الله إعطاءه إياه، فلنذكر هذا، فإنه علم عظيم زادنا الله وإياكم منه. 

*  والخلاصة:

أنه تعالى وعد المؤمنين برسوله بعد إيمانهم بالأنبياء قبله بأمور ثلاثة:

1- أنه يضاعف لهم الأجر والثواب. 

2- أن يجعل لهم نورًا بين أيديهم وعن شمائلهم يوم القيامة، يهديهم إلى الصراط السوي، ويوصلهم إلى الجنة. 

3- أن يغفر لهم ما اجترحوا من الذنوب والآثام. روى الشعبي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأمن بي فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها فله أجران" رواه البخاري ومسلم. 

وهدا يعني أن إيمان أهل الكتاب بالتوراة والإنجيل وبموسى وعيسى لا يكفي ولا ينفع شيئًا ما لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين. 

 من وحي الآية: صلاح العمل نهايته السعادة

إن صحّ العمل سلم الإنسان وسعد في الدنيا والآخرة، وإن فسد العمل شقي الإنسان، وهلك في الدنيا والآخرة، ولكي يصلح العمل لا بد أن يسبقه تصور ورؤية، أو فلسفة أو عقيدة صالحة. 

حينما دعت امرأة ذات منصب وجمال سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم وهي سيدته، وهو غير متزوج، وغريب، وشاب، وغيرها من الأسباب التي تدعوه إلى تلبية طلبها، فماذا رأى حتى قال: معاذ الله؟ فيما هناك مليون مليون شاب لو دعي إلى ما دعي إليه سيدنا يوسف لرآها غنيمة ولوقع في الفاحشة، لأنهم ما رأوا غير إشباع شهوة دنيوية زائلة. وحينما يسرق الإنسان فإنه يرى أنه يجمع مالًا بلا جهد، سوف يستمتع به طوال حياته، ولكن غاب عنه أنه بعد يومين سيلقى القبض عليه ويساق إلى السجن. وهكذا، إن صحت الرؤية صح العمل، وإن فسدت فسد العمل. 

وكل مشكلات الإنسان تعالج من رؤية خاطئة، وتصور فاسد، ومن إدراك غير صحيح، وأي إنسان لا يحسب لله عز وجل حسابًا فهو غبي، وأحمق، وأعمى. 

البطولة أن تملك رؤية صحيحة تمنعك من أكل المال الحرام، والاعتداء على أعراض الناس، وألا توقع الأذى بإنسان، فهذا الإنسان له رب سينتقم منه. 

والمؤمن هو مَنِ ائتمر بما أمر الله به، وانتهى عما عنه نهى وزجر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) (الحديد: 28)، أي اجعلوا وقاية بينكم وبين غضبه وسخطه وعقابه، بينكم وبين تعسير أموركم، بينكم وبين النار. فيا أيها الناس أطيعوا أمره، واجتنبوا نهيه، وآمنوا برسوله وبسنة نبيه، التي هي شرح للقرآن لتبين للناس ما نزل إليهم، آمنوا بهذه السنة التي هي منهج السعادة في الدارين، واتقوا الله، وإياكم أن تعصوه، وآمنوا بتوجيهات نبيه. 

ومن آمن بالله وأطاعه نال رحمة في الدنيا ورحمة في الآخرة. والرحمتان متصلتان، ومعظم المؤمنين تتصل في حياتهم نعم الدنيا بنعم الآخرة، فمن لا يتمنى أن يكون معافى في جسمه، وبيته نظيف، وأسرته متماسكة، ودخله يغطي حاجاته، وله سمعة طيبة، ويدخل الجنة؟ قال تعالى: (قُل لَّن يُّصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا) (التوبة: 51). 

ولا يستوي المسلمون مع المجرمين، قال تعالى: ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ) (18)  (السجدة: 18)، وقال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (36) (القلم: 35 – 36)، وقوله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ) (الجاثية: 21). 

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (31)  (فصلت: 30 – 31). 

ما من خروج عن منهج الله إلا بسبب خطأ في الرؤية، وما من مصيبة على وجه الأرض في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله. وبعض أجزاء هذا المنهج يعرف بالفطرة من دون تعليم، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (8) (الشمس: 7 – 8). 

أيها الإنسان: إن بطولتك، وذكاءك، وتفوقك، ونجاحك، يعتمد على أن تملك رؤية صحيحة، ومن اتصل بالله عز وجل قذف الله في قلبه نورًا يرى به الحق حقًّا والباطل باطلًا، فما من خطأ يرتكبه الإنسان إلا بسبب رؤية خاطئة سببها البعد عن الله، وأنت حينما تتصل بالله فإنه يقذف في قلبك نورًا. 

وهذا مثل واقعي: قد تسوق مركبة في طريق مظلم، وهناك أكمات، وصخور، وحفر، ومنعطفات حادة، وعلى اليمين وادٍ سحيق، وعلى اليسار وادٍ سحيق، فلو أن للسيارة مصابيح كشافة فلن تقع في خطأ أبدًا، لأن المصابيح تكشف عن الأكمة، والمنعطف الحاد، والحفرة فتبتعد عنها. وإن سرت بلا أضواء، فالحادث حتمي. وأيّ إنسان انطفأ ضوؤه؛ أي انقطع عن ربه، سوف يرتكب حماقات ولو كان أذكى الأذكياء. 

وعلى الإنسان أن يبذل عمره في استيعاب الحق؛ لأن كل العمر لا يكفي لاستيعاب الباطل، ولا بد من الاتصال بالله لينقذنا من الظلمات، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة: 257) والظلمات جمع والباطل متعدد. يوجد مليون باطل، أما الحق فواحد؛ الحق مفرد، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) (الأنعام: 153) فانظر كَمْ فرقة ضالة في الأرض، وكم عقيدة فاسدة. ومنطلق نظري خاطئ؟ إنها لا تُعَدّ ولا تحصى، لكن هذا العمر يكفي كي تستوعب الحق، فابذل عمرك في استيعاب الحق لأن كل العمر لا يكفي لاستيعاب الباطل. استوعب الحق وليكن هذا الحق مقياسًا لك، فغير المؤمن في ظلمات بعضها فوق بعض، والمؤمن مستنير، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) (البقرة: 257). 

إذا طبق الإنسان منهج الله عز وجل هداه سبل السلام، قال عز وجل: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ) (المائدة: 16). 

ومنها السلام مع النفس، فنحن نغفل كثيرًا عن محاسبة النفس، وعندما يرتكب إنسان ما خطأ كبيرًا ويكون قويًّا ولا يجد من يحاسبه، يصاب بانهيار ذاتي، وشعور بالنقص وبالذنب والدناءة. 

وإذا لم يكن لك اتصال بالله فليس لك عودة إلى مرجعية الإسلام العظيم. وإذا لم تهتد بهدي القرآن الكريم، والنبي الكريم، وابتعدت عن المصدر التصوري والفلسفي والقيمي للدين، فأنت في ظلام. والله أخرجنا بالإسلام من جور الحكام إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن العذاب النفسي إلى السعادة النفسية، والنور له مصدر واحد، قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (النور: 35)، وقال: (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ) (40)  (النور: 40)، وقال صلى الله عليه وسلم: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)  (رواه مسلم). 

هناك طريقان لا ثالث لهما؛ إما أن تكون على الحق، أو أنت حتمًا على الباطل، فلا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات والنور، ولا الظل والحرور. المؤمن بصير، والمؤمن في أنوار، والمؤمن في ظل ظليل، وفي سعادة نفسية، لأنه يملك رؤية صحيحة، وآفاقًا واسعة من الوعي، لذلك قال تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) (القصص: 50). 

فأنت قبل أن تعرف الله، وتهتدي بهديه، وتنيب إليه، ميت، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24)، إنها دعوة الله لكم بالحياة، حياة القلب، وحياة المبادئ، والقيم، وحياة الصلة بالله عز وجل قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (الأنعام: 122) قال صلى الله عليه وسلم: "ما ترك عبد شيئًا لله، إلا عوضه الله خيرًا منه في دينه ودنياه"  (الجامع الصغير). 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- أن الله سبحانه أمر مؤمني أهل الكتاب بتقوى الله سبحانه، وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وبالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعدم التفريق بين الرسل. 

2- أن الأمر بالتقوى عام لأهل الكتاب وغيرهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 

3- وعد الله سبحانه للمؤمنين من أهل الكتاب وغيرهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنين الصادقين باتباع الأوامر واجتناب النواهي بمضاعفة الأجر، والنور التام في الدنيا والآخرة، ومغفرة الذنوب والمعاصي. 

4- الرد على أهل الكتاب الذين خصوا فصل الرسالة بهم. 

5- أن الله سبحانه يصطفي من رسله من يشاء، فهو أعلم حيث يجعل رسالته. 

6- فضل الإيمان والتقوى، إذ هما سبيل الولاية والكرامة في الدنيا والآخرة.