نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثامن والخمسون_ (وجوب الاستئذان لدخول البيوت)

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _النداء الثامن والخمسون_    (وجوب الاستئذان لدخول البيوت)
497 0

الوصف

النداء الثامن والخمسون
وجوب الاستئذان لدخول البيوت

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ (النور: 27-29) 

  * موضوع الآيات: 

الاستئذان لدخول البيوت وآدابه. 

*  معاني الكلمات:

 (آمَنُوا): أي صَدَّقُوا الله ورسوله فيما أخبر به الله أو رسوله من الأوامر والنواهي وغيرها. 

 (بُيُوتًا): جمع بيت وهو السكن. 

 (تَسْتَأْنِسُوا): أي تستأذنوا إذ بالاستئذان يحصل الأنس للزائر وأهل البيت. 

 (وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا): أي تقولوا السلام عليكم أأدخل. 

 (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ): من الدخول بغير استئذان. 

 (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ): تتعظون. 

 (أَزْكَى لَكُمْ): خير وأطهر (لكم) من القعود على الباب. 

 (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ): مطلع على كل شيء، لا يخفى عليه خافية، فيجازي كلا بعمله. 

 (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ): إثم ولا حرج.

 (بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ): كالفنادق ومحلات البيع والشراء ونحوها. 

 (فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ): أي حق وانتفاع كالاستظلال من الحر والبرد وتخزين الأمتعة ونحو ذلك. 

 (تُبْدُونَ): تظهرون. 

 (وَمَا تَكْتُمُونَ): تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره. 

*   سبب نزول الآية:

أخرج الفريابي وابن جرير عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، وأنه لايزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) ... الآية. 

  سبب نزول الآية (29):

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: لما نزلت آية الاستئذان في البيوت قال أبو بكر: يا رسول الله فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة والمدينة والشام ولهم بيوت معلومة على الطريق، فكيف يستأذنون ويسلمون وليس فيها سكان؟ فنزلت (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) .. الآية. 

  * المناسبة:

بعد بيان حكم قذف المحصنات وقصة أهل الإفك ذكر الله تعالى ما يليق بذلك وهو آداب الدخول إلى البيوت من الاستئذان والسلام منعًا من الوقوع في التهمة باقتحام البيوت بدون إذن والتسلل إليها أو حدث الخلوة التي هي مظنة التهمة أو طريق التهمة التي تذرع بها أهل الإفك للوصول إلى بهتانهم وافترائهم ومراعاة لأحوال الناس رجالًا ونساء الذين لا يريدون لأحد الاطلاع عليها، ولأن النظر والاطلاع على العورات طريق الزنى. 

*  المعنى الإجمالي:

يرشد الباري سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن لا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم بغير استئذان وهذه آداب اجتماعية شرعية ذات مدلول حضاري وتمدن رفيع لما فيها من تنظيم لحياة المجتمع وأحوال الأسر في البيوتات حفظًا لروابط الود والمحبة وإبقاء على حسن العشرة وتبادل الزيارات بين المؤمنين. 

وإنه نظرا إلى خطر الرمي بالفاحشة، وخطر فعلها وحرمة ذلك بين المؤمنين شرع الله تعالى الاستئذان عند دخول البيوت فنادى عباده المؤمنين قائلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من آمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا، (لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) والاستئناس هو الاستئذان؛ لأن الاستئذان لا يكون إلا من إنسان، ولا يكون من حيوان محال فلذا أطلق الاستئناس وأريد به الاستئذان، وكيفيته أن يقف المرء إلى جانب باب المنزل عن يمينه أو عن شماله ويقول: "السلام عليكم أأدخل" ثلاث مرات فإن أذن له في الدخول دخل وإلا انصرف راضيا غير ساخط ولا غاضب. وقوله تعالى: )ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( أي الاستئذان والسلام على أهل البيت قبل الدخول خير للمستأذن ولأهل البيت الذين يريد أن يدخل عليهم، إذ علة وجوب الاستئذان هي أن لا يطلع المرء على عورة أخيه، وناظر العورة يتأذى كما يتأذى صاحب العورة سواء بسواء، فلذا كان الاستئذان خيرا للجانبين وهو ما أراده تعالى بقوله: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي تذكرون أنكم مؤمنون، وأن الله تعالى أمركم بالاستئذان حتى لا يحصل لكم ما يضركم، فتبقى لكم طهارة نفوسكم وسمو أرواحكم، وإن استأذن المرء ولم يجد في البيت أحدا فلا يدخل حتى يوجد من يأذن له بالدخول أو عدمه. وهذا معنى قوله تعالى: (فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا) وإن وجد في البيت أحد، وقال للمستأذن: ارجع، فإن عليه أن يرجع ولا يسأل لماذا لم يأذن له بالدخول، لقوله تعالى: (وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) لأنه ما أمر صاحب البيت بالرجوع إلا لأمر اقتضى ذلك. وفي الرجوع خير من الدخول بدون إذن صاحب البيت؛ ولذا قال تعالى: (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) أي أطهر لنفوسكم وأكثر عائدة عليكم بالخير، ومن مظاهر ذلك أن تبقى الألفة والمحبة بينكم. 

وقوله تعالى: (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) أي مطلع على أحوالكم وأعمالكم فتشريعه لكم الاستئذان واقع موقعه، وعليه فأطيعوه فيه وفي غيره تكملوا وتسعدوا، وقوله تعالى في الآية الثالثة في هذا النداء ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ) هذه رخصة منه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين وهي أن لا يستأذنوا إذا أرادوا دخول بيوت غير مسكونة، أي ليس فيها نساء من زوجات وسريات وغيرهن من النساء ممن يحرم النظر إليهن، وذلك كالدكاكين والفنادق والأسواق، وما إلى ذلك، فللمؤمن أن يدخل لقضاء حاجته المعبر عنها بالمتاع بدون استئذان؛ لأنها مفتوحة للعموم من أصحاب الأغراض والحاجات من عامة الناس. هذا في الاستئذان، أما السلام فهو سنة في حق كل مؤمن يدخل أو يمر على مؤمن، إذ يسلم الراكب على الماشي والواقف على القاعد والكبير على الصغير. فمن دخل دكانا أو نزلا أو مطعما من السنة أن يسلم قائلا: السلام عليكم، ويرد عليه من سلم عليه قائلا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، هذا النداء الموجب للمؤالفة والمحبة بين المؤمنين والمحقق للطهر والمحافظة على ختمه تعالى بقوله: (وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) أي ما تظهرون وما تخفون من نياتكم وأقوالكم وأفعالكم وأحوالكم. إذا فراقبوه تعالى فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فافعلوا المأمور واتركوا المنهي تكملوا في آدابكم وأخلاقكم وتسعدوا في حياتكم. وفي آخرتكم. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- مشروعية الاستئذان ووجوبه على كل من أراد أن يدخل بيتًا مسكونًا غير بيته، لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر" أخرجه البخاري ومسلم فبسبب الإخلال به يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما رواءه بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده. 

2- أن الدخول بدون استئذان يوجب الريبة ويتهم بالشر سرقة أو غيرها؛ لأن الدخول خفية يدل على الشر ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم، كما قال سبحانه (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) أي تستأذنوا (وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) وصفة ذلك كما جاء في الحديث: "السلام عليكم أأدخل"(1) ((أخرجه أحمد وأبو داود الترمذي وصححه الألباني في الصحيحة 818)). 

3- الرخصة في عدم الاستئذان من دخول البيوت والمحلا غير المسكونة التي للعبد فيها حاجة. 

4- من آداب الاستئذان أن يقف بجانب الباب، فلا يعارضه، وأن يرفع صوته بقدر الحاجة، وأن يقرع الباب قرعًا خفيفًا. 

5- كمال الإسلام وشموله في كل ما تتطلبه حاجة المسلم ويعود عليه بالخير دنيا وأخرى.