نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الخامس والخمسون ( توجيهات في قتال الكفار)

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _النداء الخامس والخمسون   ( توجيهات في قتال الكفار)
501 0

الوصف

النداء الخامس والخمسون 
توجيهات في قتال الكفار

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة: 123). 

  * موضوع الآية:

 توجيهات في قتال الكفار – أو السياسة الحربية في قتال الكفار.  

*  معاني الكلمات:

 (آمَنُوا): بالله ورسوله ووعد الله ووعيده. 

 (يَلُونَكُم): أي يتصلون بكم بالجوار وقرب الديار – فيلون بلادكم وحدودها. 

 (غِلْظَة): أي شدة وخشونة، أي أغلظوا عليهم. 

 (مَعَ الْمُتَّقِينَ): أي بنصره وتأييده. 

  * المناسبة:

لما أمر الله سبحانه المؤمنين بقتال المشركين كافة كما يقاتلونهم كافة أرشدهم في هذه الآية إلى الطريق الأصوب والأصلح – وهو أن يبتدئوا من الأقرب فالأقرب، ثم ينتقلوا إلى الأبعد فالأبعد، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بهذه الخطة، فقد قاتل قومه في مكة، ثم قاتل سائر العرب، ثم انتقل إلى قتال الروم في الشام، ثم دخل، صحابته العراق، وهكذا سار خط الدعوة الإسلامية على هذا الترتيب، فقال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ) (الشعراء: 214)، ثم أتسع نطاقها إلى الجزيرة العربية، فقال تعالى: ( لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) (الشورى: 7)، وقال عز وجل: ( سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) (الفتح: 16)، ثم انتشرت خارج الجزيرة بين أهل الكتاب، فقال تعالى: ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ) (التوبة: 29)، وقال تعالى: (وَأُوحِي إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ) (الأنعام: 19)، أي لأنذر العرب ومن يبلغه القرآن في كل زمان ومكان. 

*  المعنى الإجمالي:

لما طهوت الجزيرة العربية من الشرك وأصبحت دار إسلام وهذا في أخريات حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد غزوة تبوك أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأن يواصلوا الجهاد في سبيله بعد وفاة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأرشدهم إلى الطريق التي يجب أن يتبعوها في ذلك، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) أي قاتلوا الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام؛ لأن القتال إنما شرع لتأمين الدعوة إلى الدين والدفاع عن أهله، وقد كانت الدعوة موجهة إلى الأقرب فالأقرب من الكفار كما قال تعالى لرسوله: (لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) (الشورى: 7)؛ لأن الأقرب أحق بالشفقة والإصلاح، ولأن تكوين الأتباع المؤمنين من الجوار بالدعوة الإسلامية أفيد وأحصن وأجدي، وفيه حماية الديار والوطن، ولأن هذا الترتيب يحقق قلة النفقات، والاقتصاد في نقل الآلات، وانتقال المجاهدين بأمان حتى لا يطعنوا من الخلف، ومن ثم كان هذا هو الطريق المتبع في الدعوة والنفقات والصدقات، وما يدار في المجالس من ماء ونحوه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي الأقرب من على يمينه، وإن لم يكن أفضل الجالسين، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه. وقال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي كان يمد يده إلى الجوانب البعيدة من المائدة "كل مما يليك".  ( وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) (التوبة: 123)، أي شدة وخشونة أي وليجدوا فيكم جرأة وصبرًا على القتال وعنفًا في القتل والأسر ونحو ذلك، كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (التحريم: 9)، والغلظة في زمن الحرب مما تقتضيه الطبيعة والمصلحة، لما فيها من شدة الزجر والمنع من القبيح. 

وفي الآية إيماء إلى أنه قد يحتاج حينًا إلى الرفق واللين، وأخرى إلى العنف والشدة، لا أن يقتصر على الغلظة فحسب، فإن ذلك مما ينفر ويوجد تفرق الناس عليهم، وإنما أمروا بذلك في القتال وما يتصل بالدعوة إلى الإسلام للإرشاد إلى أنه يجب أن تكون حالهم في الأمور العامة مبنية على الرفق والعدل والتؤدة في المعاملة، ومن ثم صار ذلك من أخص صفات المسلمين (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 194)، أي اعلموا أن الله معكم بالمعونة والنصر إذا اتقيتموه وراعيتم أحكامه وسننه، وابتعدتم عن التقصير في أسباب النصر من إعداد العدد المناسبة للزمان والمكان، التي عناها الله سبحانه بقوله: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60)، ومن الثبات والصبر والطاعة وحسن النظام وترك النزاع والاختلاف وكثرة ذكر الله والتوكل عليه فيما وراء الأسباب والسنن المعروفة. 

وقد امتثل لأمر الله تعالى المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة نبيهم صلى الله عليه وسلم ما إن انتهت حرب الردة في أطراف الجزيرة حتى قام أبو بكر –رضي الله عنه- خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصليب وإلى الفرس عبدة النار، ففتح الله تعالى عليه ببركة خلافته لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتوفي أبو بكر –رضي الله عنه، ثم تولى أمر المسلمين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وواصل الجهاد فاستولى على ممالك في الشرق والغرب، واستشهد عمر –رضي الله عنه- في محراب رسول الله إذ قتله أبو لؤلؤة المجوسي انتقاما منه لكسره عرش كسرى، وتولى أمر المسلمين خليفته عثمان ذو النورين- رضي الله عنه وأرضاه- فواصل الزحف والجهاد تنفيذا لأمر الله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ) فاتسعت البلاد الإسلامية شرقا وغربا ودخلت ممالك كبيرة وعديدة في دين الله. واستمر الجهاد والفتح وحدود البلاد الإسلامية تتسع شرقا وغربا طيلة ثلاثة قرون، وهي القرون التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". وما إن انتهت القرون الذهبية حتى كاد العدو المؤلف من ثلاثة أعداء وهم: المجوس واليهود والنصارى حتى أصبح يعرف بالثالوث، كاد أمة الإسلام بالمكر والدس، ففرق كلمتها، وشتت جيوشها ورجالها، ومزق بلادها، وأخذت تتراجع الحدود حتى ضاقت، ووقف المد والجزر، والأمر لله من قبل ومن بعد، واليوم البشرية تتطلع إلى الإسلام لينقذها من عللها وأمراضها وظلمتها وشرورها ومفاسدها، فعسى الله تعالى أن يتوب على المؤمنين فتجتمع كلمتهم ودولتهم فينهضون بهذا الواجب: قتال من يلي حدودالبلاد الإسلامية حتى يدخل في الإسلام وهكذا حتى يتم وعد الله في قوله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: "ليتمن الله هذا الأمر حتى ما يبقى بيت مدر ولا وبر إلا يدخله الإسلام، بعز عزيز أو ذل ذليل". 

*  ما يستفاد من الآية:

1- وجوب الجهاد واستمراره على أمة الإسلام، حتى لا تبقى فتنة أو اضطهاد لمؤمن، ويكون الدين كله لله، وذلك حسب قوة المسلمين وضعفهم. 

2- مشروعية البدء في الجهاد بأقرب الكفار إلى بلاد المسلمين من باب: الأقربون أولى بالمعروف. 

3- وعد الله تعالى بالنصر والتأييد لأهل التقوى العامة والخاصة باق، لا يتبدل ولا يتغير.