نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الرابع والخمسون ( الأمر بتقوى الله والصدق في النية)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الرابع والخمسون   ( الأمر بتقوى الله والصدق في النية)
587 0

الوصف

النداء الرابع والخمسون 
الأمر بتقوى الله والصدق في النية

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119). 

  * موضوع الآية:

في الأمر بتقوى الله والصدق في النية والقول والعمل.  

*  المفردات

تقوا الله): خافوا الله، وكما قيل: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل.

*  المعنى الإجمالي:

اذكر أيها القارئ أن المؤمنين أحياء بإيمانهم، لذا يناديهم ربهم ليكلفهم لقدرتهم على السماع والقول والعمل والترك بخلاف الكافرين، فهم بكفرهم أموات غير أحياء وما يشعرون، والدليل: أنهم إذا دعوا إلى العمل أو الترك لا يجيبون، إذا ذكروا لا يذكرون، وإذا نودوا لا يسمعون بخلاف المؤمنين، لكمال حياتهم فإنهم إذا ناداهم أجابوا، وإذا أمرهم فعلوا، وإن نهاهم تركوا وانتهوا، واعلم أيها القارئ أن هذا النداء الإلهي يحمل أمرين عظيمين. 

الأول: الأمر بتقوى الله (عز وجل)، وهي كما عرفت –إن كنت تذكر- طاعة الله تعالى وطاعة رسوله في كل ما أمرا به أو نهيا عنه، إذ الله تعالى لا يتقى عذابه ولا غضه به ولا عقابه بأية وقاية إلا بالطاعة لهوالتسليم لحكمه والرضا بقضائه وقدره. 

والمؤمن العارف يسره أمر ربه تعالى له ولغيره بالتقوى، لعلمه أن ولاية الله تعالى – وهي أشرف هدف وأسمى غاية وأعز مطلب – لا تتحققللمؤمن إلا بالتقوى؛ لأن التقوى تزكي النفس وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، فإذا زكت نفس العبد رضيه الله وليا وأحبه وتولاه. 

واعلم أيها القارئ أن التقوى لا تتحقق لطالبها إلا بالعلم بِمَحَابّ الله تعالى ومكارهه. وبكيفية أداء المحبوبات، لتنتج له زكاة نفسه وطهارتها، لذا كان طلب العلم فريضة الله على كل مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة. 

والأمر الثاني: هو الكون في الصادقين، إذ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أي لا تفارقونهم في أي حال من أحوالهم، فلتكن نياتكم كنياتهم وأقوالكم كأقوالهم، وأعمالكم كأعمالهم، وآمالكم كآمالهم، لتكونوا في الآخرة معهم. 

أخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا يَعِدُ الرجلُ ابْنَهُ ثم لا يُنْجِزُ له، اقرؤا إن شئتم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)

وأخرج البيهقي مرفوعًا: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، إنه يقال للصادق: صدق وبر، ويقال للكاذب: كذب وفجر. وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا". 

وترك الكذب سبيل لترك جميع المعاصي من خمر وزني وسرقة ونحوها. 

ولا رخصة في الكذب إلا لضرورة من خدعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها. أي في التحبب إليها بوصف محاسنها ورضاه عنها، لا في مصالح الدار والعيال وغيرها – أخرج ابن أبي شبية وأحمد عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها" – ولا شك أن في المعاريض ما يغني العاقل عن الكذب، كما جاء في الحديث: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" ولتعلم أيها المسلم قيمة الصدق وحقيقته وتعمل على أن يكون وصفا لك بين الناس، إنه لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العبئة العامة لقتال الروم، الذين عزموا على غزو المؤمنين في المدينة المنورة، جاء المنافقون يعتذرون بأعذار واهية وكاذبة، وكذلك ضعاف الإيمان؛ لأن الغزوة كانت في عام قحط وجوع وحر شديد، وتخلف من تخلف بدون استئذان من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من تبوك إذ العدو لما بلغه خروج الرسول صلى الله عليه وسلم لقتاله جبن وخاف، وعدل عن الغزو الذي عزم عليه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "نصرت بالرعب مسيرة شهرة" فلما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون جاء بعض الناس يعتذرون في تخلفهم، فاعتذروا وقبل عذرهم، وتخلف ثلاثة وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، وزرارة بن الربيع، ولم يعتذروا كما اعتذر غيرهم بأعذار واهية، فأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن هجرانهم ومقاطعتهم، واستمرت مقاطعتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم وكافة أهل المدينة حتى أزواجهم وأولادهم، وبعد مرور خمسين يوما ولما صبروا صادقين أنزل الله توبتهم، في قوله سبحانه: (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة: 118)، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فدلت الآيات على أن الله نجا الثلاثة الذين خلفوا، وتاب عليهم بصدقهم، فلذا دعا عباده المؤمنين إلى الصدق لما فيه من الخير والبركة والفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. 

  من مواقف صدق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الأول: أبو بكر الصديق حيث صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الإسراء والمعراج وسمي صديقًا. 

الثاني: عن أبي ذر الغقاري رضي الله عنه أن بعيره أبطأ به فجعل متاعه على ظهره واتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى سواده، "كن أبا ذر" فقال الناس: هو ذاك فقال: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده". 

والثالث: أن أبا خيثمة الأنصاري بلغ بستانه وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل، وبسطت له الحصير، وقربت إليه الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر والريح! ما هذا بخير مقام، فرحل ناقته، وأخذ سيفه ورمحه، ومر كالريح، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب، فقال صلى الله عليه وسلم "كن أبا خيثمة" فكان ففرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغفر له. 

*  ما يستفاد من الآيات:

1- الأمر بالتقوى لما لها من الثمرات العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة. 

وجوب التقوى والصدق في النيات والأقوال والأحوال والأعمال، لتكونوا مع الصادقين في الآخرة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. 

2- الآية توجب الصدق وهو أمر حسن بعد قصة الثلاثة حين نفعهم الصدق وأبعدهم عن منازل المنافقين، وهي دالة على فضل الصدق وكمال درجته. 

3- إن الخطاب في الآية لجميع المؤمنين، يأمر فيه تعالى التزام مذهب الصادقين وسبيلهم. 

*  من فوائد الإيمان:

1- الرضا بالقضاء، والصبر على البلاء، إذ كله من عند الله. 

2- بذل كل معروف ومحبوب للرب الخالق، وترك كل مكروه له سبحانه. 

3- سلامة النفس من أمراضها والسكينة والرضا في القلب. 

4- الطاعة الكاملة مع الحب الغامر لمن كان سببا لكل خير، وهو الرب سبحانه. 

5- مافات في الدنيا يعوض في الآخرة. 

6- حب ما يحبه الله سبحانه من النبيين والصالحين والأعمال والأخلاق، وبغض ما يبغضه الله سبحانه من الأشرار والمفسدين والأعمال والأخلاق، وبغض ما يبغضه الله سبحانه من الأشرار والمفسدين والأعمال والأخلاق؛ لأن من أحب أحدًا أحب ما يحبه، وأبغض ما يبغضه.  

7- للتسليم الكامل لشرعه، بل هوى نفس المؤمن وراحة فؤاده في تحكيم شرعه في القليل والكثير والعظيم والحقير. 

8- الإيمان شرط قبول كل الأعمال. 

9- بالإيمان نيل الرضا والحب والإنعام من الله عز وجل. 

10- الحياة الطيبة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة. 

11- الفطنة والحذر من لوازم الإيمان. 

12- الإيمان ينجي من دخول النار ومن البقاء فيها. 

13- الإيمان الكامل يستلزم العمل الصالح. 

14- الإيمان هو التطبيق الفعلي للإسلام، فمن أسلم بلسانه لابد أن يصدق بقلبه ويعمل بجوارحه، حتى يكون مؤمنا: "قل آمنت بالله ثم استقم". 

15- يولد الإيمان الحقيق حلاوة في القلب تجعل صاحبها لا ينفك عن تحصيل أسبابها. 

16- يجعل النفس مطمئنة راضية قانعة بما يقدره الله ويقضيه عليها ولها. 

*  من فوائد التقوى:

1- معية الله تعالى للمتقين. 

2- البشرى بالتكريم للمتقين. 

3- تكفير الذنوب وتعظيم الأجر. 

4- الوعد بالمغفرة وزوال الخوف من النفوس. 

5- اليسر والسهولة في الأمر. 

6- تكفير للذنوب وتعظيم للأجر من الله سبحانه. 

7- العون والنصرة من الله للمتقين. 

8- الأمن من البلية ونيل الوصال والقربة. 

9- عز الفوقية على سائر الخلق. 

10- الخروج من الهم والمحنة والوعد بالرزق الواسع. 

11- النجاة من العذاب والعقوبة. 

12- الفوز بالجنة. 

13- التوفيق والشهادة لهم بالصدق. 

14- محبة الله للمتقين. 

*  من فوائد الصدق:

1- إن الصدق طريق الأبرار إلى الجنة. 

2- الصديقون هم أحباب الله المقربون. 

3- مدح الله أنبياءه وخلاصه بأنهم مصدقون وصادقون ويوم القيامة ينفعهم صدقهم. 

4- الصادقون يحبهم الناس، ويثقون بهم، ويأتمنونهم في سائر معاملاتهم. 

5- الصادق يعتز بنفسه ويرفع نفسه بين أفراد مجتمعه. 

6- الصدق يرفع الأعمال ويعلى شأنها. 

7- الصدق دليل القوة وسمة الثقة بالنفس. 

8- الصدق مناجاة والكذب مهواة. 

9- الصدق في الحديث يجعله مؤثرًا في القلوب. 

10- الصادق محشور مع النبيين والشهداء والصالحين.