نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء الخمسون _ (حرمة ولاية المؤمنين للكافرين وخطرها)

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _ النداء الخمسون _   (حرمة ولاية المؤمنين للكافرين وخطرها)
527 0

الوصف

النداء الخمسون 
حرمة ولاية المؤمنين للكافرين وخطرها

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 23-24). 

  * موضوع الآيات:

 حرمة ولاية المؤمنين للكافرين وخطرها.  

 *  معنى الكلمات: 

 (أَوْلِيَاء): جمع وَلِي، وهو مَنْ تَتَوَلَّاه بالمحبة والنُّصرة، ويتولاك بمثل ذلك. 

 (اسْتَحَبُّوا): أي اختاروا وأحبوا الكفر على الإيمان. 

 (الظَّالِمُونَ): الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومن أحب من لا تجوز محبته فقد وضع شيئًا في غير موضعه. 

 (وَعَشِيرَتُكُمْ): أي أقرباؤكم من النسب كالأعمام الأباعد وأبناؤهم. 

 (اقْتَرَفْتُمُوهَا): اكتسبتموها. 

 (كَسَادَهَا): بوارها وعدم رواجها. 

 (فَتَرَبَّصُوا): أن انتظروا –وهو أمر يراد به الوعيد، مثل قوله سبحانه: )اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ( (فصلت: 41). 

 (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ): أي بعقوبة هذه المعصية، وهو فتح مكة. 

  * سبب النزول:

نزلت الآيتان فيمن ترك الهجرة لأجل أهله وتجارته. 

  سبب نزول الآية23:

 )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ(: قال الكلبي: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وأمرأته: إنا قد أمرنا بالهجرة، فمنهم من يُسْرِع إلى ذلك ويُعْجِبُه، ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله، وولده، فيقولون: نشدناك الله لا تدعنا إلى غير شيء فنضيع فيرق فيجلس معهم، ويدع الهجرة. فنزلت يعاتبهم سبحانه (آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ) ... الآية. ونزلت في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا الآية: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ) ... الآية إلى قوله: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) يعني بالقتال وفتح مكة، أخرج الفريابي عن ابن سيرين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لقوم سماهم: ألا تهاجروا، ألا تلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: نقيم مع إخواننا وعشائرنا ومساكننا. فأنزل الله (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ) ... الآية كلها. 

  * المناسبة:

لما أمر الله تعالى المؤمنين بالتبري عن المشركين ونبذ عهودهم، قالوا كيف تمكن المقاطعة التامة بين الرجل وبين أبيه وأمه وأخيه. فذكر تعالى أن الانقطاع عن الآباء والأولاد والإخوان واجب بسبب الكفر، وهو قوله: (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) ثم جاءت الآية (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ) مؤكدة لمضمون الآية السابقة، وأبان تعالى أنه يجب تحمل هذه المضار الدنيوية، ليبقى الدين سليمًا، إذ سلامة الدين تكون بمباينة ومفارقة الكفار وعدم موالاتهم. 

*  المعنى الإجمالي:

هذا النداء الإلهي يحمل إنذارا شديدا للمؤمنين به تعالى ربًّا وإلها، وبدينه الإسلام دينا لا يقبل الله دينا سواه، وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ينهاهم في هذا النداء الإنذاري عن اتخاذ مَنْ كفر من آبائهم وأمهاتهم أيضا، وإخوانهم وأخواتهم أيضا، ومن باب أولى من كان دون ذلك من عامة الأقارب ذكورا وإناثا، ينهاهم عن أن يتخذوهم أولياء يحبونهم ويناصرونهم ويدفعون عنهم ويطلعونهم على أسرار المؤمنين وبواطن أموارهم، وفي الحرب والسلم سواء، إذ قال لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله ولقائه ووعده ووعيده (لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) أي آثروا الكفر والإصرار عليه على الإيمان بالله ورسوله. ثم يهددهم (عز وجل) إن لم يمتثلوا أمرهم فلم يفاصلوا آباءهم وإخوانهم المستحبين للكفر على الإيمان، والشرك على التوحيد، والخبث على الطهر، والفوضى على النظام،والظلم على العدل، إذ الكفر يكمن فيه كل ما ذكر ويزيد؛ ولذا قيل: ما بعد الكفر ذنب يهددهم فيقول: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ) أي أيها المؤمنون. (فَأُولَئِكَ) أي المتولونهم (هُمُ الظَّالِمُونَ) أي المتوغلون في الظلم، الضاربون فيه كأن لم يكن هناك ظالم إلا هم. والعياذ بالله تعالى. ووجه ظلمهم ظاهر غير خفي وهو أنهم وضعوا المحبة موضع البغضاء، والنصرة موضع الخذلان، إذ حقيقة الظلم هي وضع الشيء في غير موضعه، فالذي تجب محبته وموالاته هو الله المنعم بالخلق والرزق والتدبير للإنسان ولسائر الخلق، والذي بيده كل شيء وهو قادر على كل شيء هذا الذي يجب أن يُحب ويوالى، أما الذي لا يملك شيئا وهو مملوك، ولا يعطي شيئا وكيف وهو معطي فكيف يحب ويوالي. 

والذي تجب محبته وموالاته من الناس هو من آمن بالله وكفر بالطاغوت وهو ما عبد دون الله جل جلاله وعظم سلطانه من إنسان أو جان، من كوكب أو شجر وحجر وأحب الله تعالى ووالاه، وأحب ما يحب الله، ووالى من أحب الله ووالاه من صالحي عباده المؤمنين به وبلقائه المطيعين له ولرسوله. أما من استحب الكفر على الإيمان والشرك على التوحيد،والكافرين على المؤمنين فكيف تجوز موالاته ومناصرته، اللهم إن هذا ظلم فاضح وصاحبه ظالم لا أظلم منه. وختم تعالى إنذاره بهذا التهديد العظيم الذي لا يطاق فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهم: ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) أي إلى التوبة والإنابة إليه، والرجوع إلى محبته وموالاته، إذ هم توغلوا في الفسق بالكفر والظلم والشر والفساد، إذ سنة الله سبحانه وتعالى أن من أدمن على شيء قل ما يتركه ويتخلى عنه، وكلمة الفاسقين دالة على التوغل في الفسق بالكفر والظلم والفجور. 

*  ما يستفاد من الآيات:

1- حرمة موالاة الكافرين ولو كانوا من أقري الأقارب، وهذا الحكم عام في أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كان سبب نزولها في فئة معينة كما مر. 

2- إن من تولى المشركين صار مشركًا، كما قال ذلك ابن عباس رضي الله عنه: من تولاهم فهو مشرك مثلهم؛ لأن الرضا بالشرك شرك. ويستثنى من هذا المقاطعة والإحسان والعطية للأقارب الكفرة، لحديث أسماء إذ قالت: يا رسول الله إن أمي قد قدمت علي راغبة وهي مشركة، أفأصلها؟ قال: "صلي أملك"، ولقوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (القمان: 15)، وهذا يدل على عظم حق الوالدين. 

3- إن حب الله ورسوله من أوجب الواجبات، ومن لم يحب الله ورسوله فليس بؤمن وإن ادعى الإيمان، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم بالله حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". 

4- إن الدين يغير المفاهيم، فيجعل رابطة الدين أعلى وأقوى وأولى من رابطة العصبية الجنسية وصلة القرابة، والانتماء إلى الأسرة. ويقرر أن ثمرة الهجرة والجهاد لا تظهر إلا بترك ولاية المشركين وإيثار طاعة الله والرسول على كل شيء في الحياة. 

5- في قوله سبحانه: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (التوبة: 24)، وعيد، عن ابن عباس: هو فتح مكة. وعن الحسن: هي عقوبة عاجلة أو آجلة. قال في الكشاف: وهذه آية شديدة لا ترى أشد منها، كأنها تنعي على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين، فلينصف أورع الناس واتقاهم من نفسه، هل يجد عنده من التصلب في ذات الله والثبات على دين الله ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والإخوان والعشائر والمال والمساكن وجميع حظوظ الدنيا ويتجرد منها لأجله؟ أم يزوي الله عنه أحقر شيء منها لمصلحته فلا يدري أي طرفيه أطول؟ ويغويه الشيطان عن أجل حظ من حظوظ الدين فلا يبالي كأنما وقع على أنفه ذباب فطيره.