نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثامن والأربعون (تقوى الله وثمراتها)

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _النداء الثامن والأربعون    (تقوى الله وثمراتها)
475 0

الوصف

النداء الثامن والأربعون
تقوى الله وثمراتها

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الأنفال: 29). 

  * موضوع الآية:

تقوى الله وثمراتها العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة.  

*  معاني الكلمات:

 (إِن تَتَّقُوا اللهَ): التقوى هي امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وسميت بذلك لأنها تقي العبد من النار. 

 (فُرْقَانًا): نصرا ونجاة تنجون مما تخافون – وسمي بذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر والإسلام بإذلال أهل الكفر، وإعزاز أهل الإسلام إن عاجلا أو آجلا، ومنه سمي يوم بدر في قوله تعالى: (يوم الفرقان)

لأنه فصل بين الحق والباطل، والخلاصة: أن الفرقان هو الفارق بين الحق والباطل، فمن اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وُفّق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته في الدنيا، وسعادته في الآخرة، وإثابته الثواب الجزيل. 

 (وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ): تكفير الذنوب محوها. 

 (وَيَغْفِرْ لَكُمْ): غفرها سترها عن الناس. 

 (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ): واسع الفضل، عظيم العطاء، يعطي الثواب الجزيل. 

  * المناسبة:

لما حَذَّر الله سبحانه من الفتنة الأموال والأولاد رَغَّبَ في التقوى التي توجب ترك الميل والهوى في محبة الأموال والأولاد. 

*  المعنى الإجمالي:


هذا النداء الإلهي الكريم يحمل عطاءً إلهيًا ما فوقه عطاء وأن المحروم من حرمه. إنه وعد رباني والله لا يخلف الميعاد. وعد لمن اتقاه تقوى حقيقية صادقة وهي امتثال أوامره تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيهما، وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وشحن القلب بالنية الصادقة الخالصة، وشغل الجوارح بالأعمال الصالحة والتحفظ من شوائب الشرك الخفي والجلي معا. صاحب هذه التقوى هو الذي يجني ثمارها وهي كما يلي:

1- الحصول على الفرقان: والفرقان هو نور يملأ قلبه أثمرته له تقواه لله.... فصاحب هذا النور ينجو إذا هلك الناس، وينتصر إن انهزم الناس. ويميز بين الحق والباطل، والمعروف والمنكر، والخير والشر، والنافع والضار، والصالح والفاسد، إذا التبس هذا على غيره من فاقدي نور الفرقان الذي أثمرته تقوى الله (عز وجل)، ولك أن تعرف أيها القارئ أن لفظ الفرقان مشتق من الفرق بين الأشياء، فالمتقي تصفو نفسه بفعله للطاعات المزكية للنفس وبعده عن المعاصي المخبثة للنفس. تصفو نفسه صفاء تصبح كأنها تعيش في النور يغشاها من كل جوانبها. فهذا النور يحصل لصاحبه قوة الفرقان التي يميز بها بين الملتبسات والمشتبهات حتى يصبح قل ما يخطئ في نظرية يراها أو يقولها. وهذا عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يقول: "ما قال أبي في شيء أظنه كذا إلا كان كما ظن" وسر ذلك قوة تقوى عمر – رضي الله عنه – وشدتها حتى استحالت روحه إلى طاقة من نور. يشهد لهذا ويقرره قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: "ما سلك عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجه"، وما ذلك إلا لقوة نوره الذي أثمرته له قوة تقواه لله سبحانه وتعالى. وقوله صلى الله عليه وسلم فيه: "لو كان من أمتي محدثون – أي تحدثهم الملائكة – لكان منهم عمر" رضي الله عنه وأرضاه، وذلك لقوة تقواه، فلنذكر هذا أيها القارئ ولا ننسه. 

2- تكفير السيئات: وهي الخطايا وهو سترها وعدم المؤاخذة بها، وإبطال مفعولها في تلويث النفس وتخبيثها. والسيئات جمع سيئة وهي كل معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم من شأنها أن تسيء إلى النفس البشرية بالتخبيث والتلويث بأوضار السيئة وآثارها، وهل المراد بالسيئات التي فعلها العبد قبل التقوى؟ هذا هو الظاهر، ولكن لا مانع من أن المتقي تزل قدمه ويفعل سيئة ثم يتوب منها فتزيل التقوى التي يعيش عليها أثرها من نفسه ويصبح كأنه لم يقاربها أبدا. 

3- مغفرة الذنوب: وهي الآثام، هذه ثمرة قبل الأخيرة من ثمار تقوى الله (عز وجل) التي واعد أصحابها بها. وهي مغفرة ذنوبهم وعدم مؤاخذتهم بها وهذا في الدنيا والآخرة معا، إذ بعض الذنوب، يعجل لأصحابها عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة. وقد يعذب بها في الدنيا والآخرة معا، والعياذ بالله. 

4- والأخيرة وهي أعظم تلك الثمار وأشهاها إنها الجنة ونعيمها. وعبر عنها بالأجر العظيم؛ لأنها بمثابة الجزاء على التقوى، والجزاء والأجر بمعنى واحد يقال: أثابه وأجره وجزاه بكذا على كذا، الكل بمعنى واحد، ولعل السر في عدم ذكر الجنة الاكتفاء بذكر الأجر العظيم؛ لأن الله تعالى لا يعطي العاملين أجرا يوم القيامة غير الجنة ورضاه، إذ لا مال يؤمئذ ولا دينار ولا درهم. 

وأخيرا أيها القارئ لا يفوتك ولا إياي هذه الصفقة التجارية العظيمة التي ربحها الفرقان العظيم، وتكفير السيئات، ومغفرة الذنوب، والجنة والرضوان في دار السلام، ألا فلنتق الله عز وجل، ولنثبت على ذلك حتى نلقى الله تعالى . 

*  ما يستفاد من الآية:

1- تعددت الأوامر بالتقوى في القرآن الكريم، ولكن في هذه الآية جاء الأمر هنا بلفظ الشرط، فإذا اتقى العبد ربه وذلك باتباع الأوامر واجتناب النواهي، وجعل الله له بين الحق والباطل فرقانا، فصلا بين الحق والباطل. وقيل نجاة، وقيل فتحا ونصرا، وقيل في الآخرة فيدخلكم الجنة ويدخل الكفار النار. 

2- ذكرت الآية ثلاثة أنواع من الجزاء على التقوى:

1- يجعل لكم فرقانا، ففي الدنيا يخص الله سبحانه المؤمنين بالهداية والمعرفة، ويخص صدورهم بالانشراح (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) (الزمر: 22)، ويخصهم بالعلو والفتح والنصر، كما قال تعالى: (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون: 8)، وأمر الفاسق والكافر بالعكس من ذلك. وفي الآخرة يكون الثواب والمنافع الدائمة. 

2- ويكفر عنكم سيئاتكم- أي أنه تعالى يزيل آثار جميع الذنوب والآثام والكبائر والصغائر ويمحوها ويسترها في الدنيا. 

3- ويغفر لكم، أي ويزيلها يوم القيامة لأنه صاحب الفضل العظيم. 

* والخلاصة:

تكون التقوى نورًا في الدنيا والآخرة، وسببا للسعادة فيهما وتحقيق الآمال جميعها، والنجاة من كل سوء وشر؛ ولذا قال سبحانه: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة: 187).