نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الحادي والأربعون (في النهي عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجة تدعو إليه والتحذير من عواقبه)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الحادي والأربعون (في النهي عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجة تدعو إليه والتحذير من عواقبه)
250 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الحادي والأربعون (في النهي عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجة تدعو إليه والتحذير من عواقبه)

النداء الحادي والأربعون:

النهي عن السؤال عما لا فائدة فيه

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ" (المائدة:101-102).

موضوع الآية:في النهي عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجه تدعو إليه والتحذير من عواقبه.

معاني الكلمات:

"إِن تُبْدَ لَكُمْ" : تظهر لكم تضركم.

"تَسُؤْكُمْ" : تزعجكم لما فيها من المشقة.

"عَفَا اللهُ عَنْهَا" : سكت عنها فلم يذكرها، أو لم يؤاخذكم بها.

"سَأَلَهَا قَوْمٌ" : طلبها غيركم من الأمم السابقة.

المناسبة:

لما ذكر تعالى أن مهمة الرسول مجرد البلاغ ومهمة المبلغين هي تنفيذ التكاليف والانقياد له، دون أن يكثروا عليه السؤال عما لم يبلغه لهم ناسب أن ينهاهم، صراحة عن السؤال فيما لا تكليف فيه، لئلا يكون ذلك سببا للإلزام بتكاليف ثقيلة، ومطالب جديدة شديدة.

سبب النزول:

تعددت أسباب نزولهذه الآية منها سؤال اختبار وتعجيز وتعنت واستهزاء وسخف، ومنها سؤال استفهام واسترشاد عن تكرار بعض الفرائض، فمن الأول ما رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة، فقال رجل: من أبي. قال: فلان ابن فلان فنزلت هذه الآية "لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ" وروي أيضا عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الآخر تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ" ... حتى فرغ من الآية كلها.

وأخرج الطبري مثله عن أبي هريرة، وأخرج البخاري أيضا عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا" فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله قال: (النار) فقام عبد الله بن خذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: "أبوك حذافة".

 ومن الثاني ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم وفي رواية: فأنزل الله هذه الآية.

قال الطبري: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: نزلت هذه الآية من أجل إكثار السائلين رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل: كمسألة أبي حذافة أباه: من أبوه ومسألة سائله إذا قال: "إن الله فرض عليكم الحج": أفي كل عام؟ وما أشبه ذلك من المسائل.

المعني الإجمالي:

ينهى الله عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم وعن حالهم في الجنة أو النار. فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له في خير كسؤالهم للأمور غير الواقعة، وكالسؤال الذي ترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة، وكالسؤال عما لا يعني، فهذه الأسئلة وما أشبهها هي المنهي عنها – يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم عن المسلمين فحرم من أجل مسألته"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال" ويقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه تربية وتأديبا: "إن الله تعالى قد فرض فرائض فلا تضيعوها وسكت عن أشياء رحمة بكمغير نسيان فلا تسألوا عنها، ويقول: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه".

وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك فهو مأمور به: كالسؤال عن أحكام العدة والخمر وغيرها، فلا حرج في ذلك، بل هو مأمور به.

كما قال تعالى: "فَاسْأَلُواأَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل:16).

ثم قال سبحانه: "وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ" أي إذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن فتسألون عن آية أشكلت أو حكم خفي وجهه عليكم في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء "تُبْدَ لَكُمْ" أي تبين لكم وتظهر، وإلا فاسكتوا عما سكت الله عنه "عَفَا اللهُ عَنْهَا" أي سكت معافيا لعباده منها، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه "وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ" أي لم ينزل سبحانه بالمغفرة موصوفا، وبالحلم والإحسان معروفا، فتعرضوا لمغفرته وإحسانه، واطلبوه من رحمته ورضوانه، وهذه المسائل التي نهيتم عنها.

"قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ" أي جنسها وشبهها سؤال تعنت لا استرشاد، فلما بينت لهم وجاءتهم "أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ" وذلك كاليهود إذ قالوا "أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ" (النساء:153)، وسؤال قوم صالح الناقة فأعطوها ثم عقروها فهلكوا – وسؤال الحواريين عيسى المائدة، وقال الله فيهم "قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ" (المائدة:115)، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم، فإنماأهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم".

فائدة:

أما الأسئلة الشرعية اليوم فجائزة للعلم والبيان. قال ابن عبد البر: السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثا عن معنى يجب الوقوف عليه في الديانة عليه، فلا بأس به فشفاء العي السؤال، ومن سأل متعنتًا غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره.

فائدة:

والتوفيق بين ما ذكر من كراهية السؤال والنهي عنه، وبين قوله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل:16)، أن النهي منصب على ما لم يتعبد الله به عباده، ولم يذكره في كتابه، والأمر موجه لما ثبت وتقرر وجوبه مما يجب العمل به.

ما يستفاد من الآيات:

1- كراهية الإلحاف في الأسئلة والتنطع فيها.

2- وجوب السؤال عم أشكل على المسلم في أمور دينه، لقوله تعالى "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل:16).

3- على المسلم المتأدب بالآداب التالية:

1- مع الله سبحانه فلا يسأله ما لم تجر سنة الله به أو يتعدى في السؤال.

2- مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد ما دعا إليه ونصح به.

3- مع أهل العلم فلا يسأل سؤال تعنت وتنطع ولا يسأل عما ليس عازما على العمل به، ولا يسأل عن شيء هو عالم به.