نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الأربعون (في حرمة الصيد حال الإحرام وبيان جزاء من قتل الصيد عامدا وهو محرم والعياذ بالله)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الأربعون (في حرمة الصيد حال الإحرام وبيان جزاء من قتل الصيد عامدا وهو محرم والعياذ بالله)
225 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الأربعون (في حرمة الصيد حال الإحرام وبيان جزاء من قتل الصيد عامدا وهو محرم والعياذ بالله)

النداء الأربعون:

حرمة الصيد حال الإحرام

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لَّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" (المائدة:95).

موضوع الآية:حرمة الصيد حال الإحرام وبيان جزاء من قتل الصيد عامدا وهو محرم.

معاني الكلمات:

"حُرُمٌ" : محرمون بحج أو عمرة.

"فَجَزَاءٌ" : أي عليه جزاء.

"مِّثْلُ مَا قَتَلَ" : أي شبهه في الخلقة.

"مِنَ النَّعَمِ" : أي الإبل أو البقر أو الغنم.

"ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ" : أي صاحبا عدالة من أهل العلم.

"بَالِغَ الْكَعْبَةِ" : أي يبلغ به الحرم فيذبح فيه ويتصدق به على مساكين الحرم، ولا يجوز أن يذبح حيث كان.

"وَبَالَ أَمْرِهِ" : ثقل جزاء أمره الذي فعله – أي عاقبة أمره الثقيلة.

"عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف" : من قتل الصيد قبل تحريمه.

"عَزِيزٌ" : غالب على أمره.

"ذُو انْتِقَامٍ" : أي ينتقم ممن عصاه.

مناسبة الآية لما قبلها:

لما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة اختبار الله تعالى لعباده المؤمنين بوجود شيء من الصيد تناله الأيدي والرماح وهو سهل ميسر لهم،فاختبر أهل عمرة الحديبية ونجحوا في هذا الاختبار، فلم يصيدوا مع ما كان يغشاهم في رحالهم من أنواع الصيد، لكمال إيمانهم والتزامهم بأوامر الله بالفعل والنواهي بالترك، عقب ذلك سبحانه بنهي عباده المؤمنين عن قتل الصيد وهم متلبسون بعبادة الحج أو العمرة.

فالصيد فيه لهو ولعب، والمحرم متلبس بعادة الحج أو العمرة، فلا يصح فيه لهو ولا لعب بحال من الأحوال، إذ هو كالمصلي في صلاته، فلا يتكلم ولا يضحك ولا يأكل ولا يشرب، إلى غير ذلك مما هو مبطل للصلاة. فالمحرم شبيه بالمصلي، وخص الصيد بالذكر؛ لأن المحرم قد يكون له حاجة إلى طعام فيمر به الصيد من ظبي أو أرنب أو غيرهما، فتدفعه نفسه لصيده فيصيده.

المعنى الإجمالي:

يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين بقوله سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ" أي محرمون في الحج والعمرة، والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدمات القتل، وعن المشاركة في القتل، والدلالة عليه والإعانة على قتله، حتى إن من تمام ذلك أنه ينهى المحرم عن أكل ما قتل أو صيد لأجله.

وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل أو صيد ما كان حلالًا له قبل الإحرام، وقوله "وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُم مُّتَعَمِّدًا" أي قتل صيدا عمدافَعليه "جَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ" أي الإبل أو البقر أو الغنم فينظر ما يشبه من ذلك فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به، والاعتبار بالمماثلة "يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ" أي عدلان يعرفان الحكم، ووجه الشبه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم حيث قضوا بالحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش على اختلاف أنواعه بقرة، هكذا كل ما يشبه شيئا من النعم ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئا فعليه قيمته، كما هو القاعدة في المتلفات.

وذلك الهدى لا بد أن يكون "هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ" أي يذبح في الحرم "أَوْ كَفّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ" أي يجعل كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين أي يجعل مقابل المثل من النعم طعام يطعم المساكين، قال كثير من العلماء: يقوم الجزاء فيشتري بقيمته طعامًا، فيطعم كل مسكين مدبر أو نصف صاع من غيره "أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ" الطعام "صِيَامًا" أي يصوم عن إطعام كل مسكين يوما "لَّيَذُوقَ" بإيجاب الجزاء المذكور عليه "وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ" بعد ذلك "فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" وإنما نص الله سبحانه على المتعمد بقتل الصيد مع أن الجزاء يلز المتعمد والمخطىء، كما هو القاعدة الشرعية: أن المتلف للنفوس والأموال المحترمة فإنه يضمنها على أي حال كان، إذا كان إتلافه بغير الحق؛ لأن الله رتب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام وهذا للمتعمد.

وأما المخطىء فليس عليه عقوبة إنما عليه الجزاء، هذا قول جمهور العلماء، والصحيح ما صرحت به الآية أنه لا جزاء على غير المعتمد، كما لا إثم عليه، ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري استثنى الله سبحانه الصيد البحري بقوله: "أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ" (المائدة:96)... الآية.

ما يستفاد من الآية:

1- تحريم الصيد على المحرم إلا صيد البحر فإنه مباح.

2- بيان جزاء من صاد وهو محرم وأنه جزاء مثل ما قتل من النعم.

3- وجوب التحكيم فيما صاده المحرم أهل العدل من العلماء.

4- صيد المحرم حرام على المحرم وغيره.